للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّ أُمِّي اُفْتُلِتَتْ نَفْسُهَا وَأُرَاهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ» ) .

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ «رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ تَصَدَّقَ عَلَى أَبَوَيْهِ بِصَدَقَةٍ فَهَلَكَا فَوَرِثَ ابْنُهُمَا الْمَالَ وَهُوَ نَخْلٌ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ قَدْ أُجِرْتَ فِي صَدَقَتِك وَخُذْهَا بِمِيرَاثِكَ» ) .

الْأَمْرُ بِالْوَصِيَّةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصَى فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ» )

ــ

[المنتقى]

(ش) : قَوْلُهُ: " إنَّ أُمِّي اُفْتُلِتَتْ نَفْسُهَا " مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَاتَتْ فَجْأَةً وَأَنْشَدُوا فِي ذَلِكَ

وَكَانَتْ مُنْيَتُهُ افْتِلَاتًا

وَتَقُولُ الْعَرَبُ رَأَيْت الْهِلَالَ فَلْتَةً إذَا رَأَيْته مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَيْهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَانَتْ بَيْعَةٌ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً وَقَى اللَّهُ شَرَّهَا يُرِيدُ أَنَّهَا كَانَتْ بَغْتَةً مِنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ وَقَوْلُهُ: " وَأُرَاهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ " يُرِيدُ أَنَّهُ لَوْ عُلِمَ مِنْ نِيَّتِهَا وَحُسْنِ مُعْتَقِدِهَا وَمُسَارَعَتِهَا إلَى الْخَيْرِ وَرَغْبَتِهَا فِيهِ أَنَّهَا لَوْ أُمْهِلَتْ وَقَدَرَتْ عَلَى الْكَلَامِ مَعَ الْإِشْرَافِ عَلَى الْمَوْتِ عَلَى مَا يَفْعَلُهُ أَكْثَرُ النَّاسِ فِي مَرَضِهِمْ مِنْ كَلَامِهِمْ وَوَصِيَّتِهِمْ مَعَ تَيَقُّنِ الْمَوْتِ لِشِدَّةِ الْمَرَضِ لَتَصَدَّقَتْ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَدْ كَانَ عَلِمَ بِذَلِكَ مِنْ حَالِهَا بِمَا أَخَذَتْ مَعَهُ فِيهِ وَأَظْهَرَتْ إلَيْهِ الْعَزِيمَةَ عَلَيْهِ فَاسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْهَا فَأَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَثَبَتَ أَنَّ صَدَقَتَهُ عَنْهَا مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَرَفَ أَنَّهُ حَضَرَهَا ثُمَّ عَجَزَتْ عَنْ أَدَائِهِ وَعَنْ قَضَائِهِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى أَنْ تُوُفِّيَتْ، وَقَدْ كَانَتْ أَرَادَتْ أَنْ تُطْعِمَ عَنْ ذَلِكَ فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ كَانَ يَنْفَعُهَا الْإِطْعَامُ عَنْهَا فَأَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ زَكَاةً كَانَتْ عَلَيْهَا وَلَمْ تُوصِ بِهَا وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ مَنْ عَلِمَ مِنْ أَبَوَيْهِ تَفْرِيطًا فِي الْفَرَائِضِ قَالَ مَالِكٌ يُطْعِمُ عَنْهُمَا فِي الصَّوْمِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا إنْ شَاءَ وَلِيُؤَدِّ الزَّكَاةَ عَنْهُمَا، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ.

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أُجِرْتَ فِي صَدَقَتِكَ وَخُذْهَا بِمِيرَاثِك يَقْتَضِي أَنَّ أَخْذَ صَدَقَتِهِ لَا يَبْطُلُ بِرُجُوعِ مَا تَصَدَّقَ بِهِ إلَيْهِ بِالْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهَا إلَى الْمُتَصَدِّقِ بِالْمِيرَاثِ غَيْرَ مَوْقُوفٍ عَلَى اخْتِيَارِهِ بَلْ بِمَوْتِ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ وَهِيَ فِي مِلْكِهِ تَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُتَصَدِّقِ إذَا كَانَ يُحِيطُ بِمِيرَاثِهِ وَبِهَذَا فَارَقَتْ سِوَاهَا فَإِنَّهَا إنَّمَا تَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ بِاخْتِيَارِهِ، أَوْ اخْتِيَارِ مَنْ جُعِلَ ذَلِكَ إلَيْهِ وَعَلَى تَجْوِيزِ ذَلِكَ جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ وَشَذَّتْ فِرْقَةٌ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ فَكَرِهَتْ أَخْذَهَا بِالْمِيرَاثِ وَرَأَوْهُ مِنْ بَابِ الرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ، وَهَذَا سَهْوٌ مِنْهُمْ فَإِنَّ مِلْكَهَا بِالْمِيرَاثِ لَيْسَ مَوْقُوفًا عَلَى اخْتِيَارِهِ فَيُقَالُ لَهُ فِيهِ يَجُوزُ، أَوْ لَا يَجُوزُ وَيُجْبَرُ عَلَى أَخْذِهَا بِمَا يَلْزَمُهُ فِيهَا مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَالْكِسْوَةِ لَهَا وَالْإِسْكَانِ فِيهَا فَهِيَ بِالشَّرْعِ ثَابِتَةٌ فِي مِلْكِهِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُمْ أَنْ يُوجِبُوا عَلَيْهِ إخْرَاجَهَا عَنْ مِلْكِهِ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[الْأَمْرُ بِالْوَصِيَّةِ]

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصَى فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ» يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ حَقُّهُ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ، وَإِنَّمَا مِنْ حَقِّهِ تَقْدِيمُ وَصِيَّتِهِ وَالتَّحَرُّزُ وَالِاسْتِظْهَارُ بِتَقْدِيمِهَا وَتَحْصِينُ مَالِهِ عَلَيْهِ بِهَا فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ بِمَعْنَى تُبَرِّئُهُ عَنْهَا وَالْوَصِيَّةُ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ فِي وُجُوهِ مَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ دُيُونٌ، فَقَدْ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا: إنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَأَمَّا مَنْ عَلَيْهِ تَبَاعَةٌ، أَوْ مَا فَرَّطَ فِيهِ مِنْ كَفَّارَةٍ وَغَيْرِهَا مِنْ زَكَاةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ بِمَا يُوصَى فِيهِ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يُوصَى بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُرَخَّصُ فِي تَرْكِ التَّطَوُّعِ.

قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ عَلَى قِسْمَيْنِ، فَأَمَّا الدُّيُونُ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ تَنْعَقِدَ بِهَا الْعُقُودُ

<<  <  ج: ص:  >  >>