للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَوَازُ وَصِيَّةِ الصَّغِيرِ وَالضَّعِيفِ وَالْمُصَابِ وَالسَّفِيهِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَمْرَو بْنَ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قِيلَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ هَاهُنَا غُلَامًا يَفَاعًا لَمْ يَحْتَلِمْ مِنْ غَسَّانَ وَوَارِثُهُ بِالشَّامِّ وَهُوَ ذُو مَالٍ وَلَيْسَ لَهُ هَاهُنَا إلَّا ابْنَةُ عَمٍّ لَهُ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَلْيُوصِ لَهَا قَالَ فَأَوْصَى لَهَا بِمَالٍ يُقَالُ لَهُ بِئْرُ جُشَمَ، قَالَ عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ فَبِيعَ ذَلِكَ الْمَالُ بِثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَابْنَةُ عَمِّهِ الَّتِي أَوْصَى لَهَا هِيَ أُمُّ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ.

مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّ غُلَامًا مِنْ غَسَّانَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ بِالْمَدِينَةِ وَوَارِثُهُ بِالشَّامِّ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقِيلَ لَهُ إنَّ فُلَانًا يَمُوتُ أَفَيُوصَى قَالَ فَلْيُوصِ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ الْغُلَامُ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ أَوْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَوْصَى بِبِئْرِ جُشَم فَبَاعَهَا أَهْلُهَا بِثَلَاثِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ) .

ــ

[المنتقى]

[جَوَازُ وَصِيَّةِ الصَّغِيرِ وَالضَّعِيفِ وَالْمُصَابِ وَالسَّفِيهِ]

(ش) : الْيَفَاعُ هُوَ الْغُلَامُ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ، أَوْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً رَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَدِينَةِ.

وَقَدْ ذَكَرَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ الْغُلَامَ كَانَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ، أَوْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً فَتَارَةٌ كَانَ يَصِفُهُ أَبُو بَكْرٍ بِأَنَّهُ يَفَاعٌ وَتَارَةٌ كَانَ يَصِفُهُ بِأَنَّهُ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ، أَوْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَقَوْلُهُ لَمْ يَحْتَلِمْ عَلَى سَبِيلِ الْبَيَانِ لِحَالِهِ وَمَا قَصَدَ وَصْفَهُ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ بَعْدُ مِنْ حَدِّ الصِّغَرِ، وَالِاحْتِلَامُ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ حَدٌّ بَيْنَ الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ وَيَخْتَصُّ فِي النِّسَاءِ بِالْحَيْضِ فَهُوَ فِيهِنَّ حَدٌّ بَيْنَ الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ.

(فَصْلً) وَقَوْلُهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قِيلَ لِعُمَرَ أَنَّهُ بِالْمَدِينَةِ وَوَارِثُهُ بِالشَّامِ وَلَيْسَ لَهُ بِالْمَدِينَةِ إلَّا بِنْتُ عَمٍّ يُرِيدُ: أَنَّهَا انْفَرَدَتْ بِالْقِيَامِ بِأَمْرِهِ وَالرِّفْقِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ وَارِثُهُ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِذَلِكَ، أَوْ يُشَارِكُهَا فِيهِ بِالشَّامِ وَلَعَلَّهُ قَدْ قَصَدَ بِذَلِكَ إلَى بِنْتِ عَمِّهِ هَذِهِ مَعَ انْفِرَادِهَا بِالْقِيَامِ بِأَمْرِهِ وَالتَّعَبِ مَعَهُ وَالتَّمْرِيضِ لَهُ لَا يَعُودُ إلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ وَلَعَلَّ الْغُلَامَ قَدْ أَشْفَقَ مِنْ أَنْ يَخْرُجَ جَمِيعُ مَالِهِ مَعَ رِفْقِهَا بِهِ وَانْفِرَادِهَا بِالْعَنَاءِ مَعَهُ فَنَدَبَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى أَنْ يُوصَى لَهَا وَأَعْلَمَهُ أَنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ لَهُ وَسَائِغٌ فِي الشَّرْعِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَأَجْمَع عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْمَدِينَةِ بِأَنَّ وَصِيَّةَ مَنْ يُمَيِّزُ وَيَفْهَمُ مَا يُوصَى بِهِ مِنْ السَّفِيهِ وَالصَّغِيرِ جَائِزَةٌ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ تَجُوزُ وَصِيَّةُ السَّفِيهِ وَلَا تَجُوزُ وَصِيَّةُ مَنْ لَمْ يَحْتَلِمْ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الصِّغَرَ حَجْرٌ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ مَعَ التَّمْيِيزِ كَالسَّفَهِ.

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ تَجُوزُ وَصِيَّةُ الْيَفَاعِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَأَجَازَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَصِيَّةَ الصَّغِيرِ الَّذِي يَعْقِلُ مَا يُوصِي بِهِ ابْنُ تِسْعِ سِنِينَ وَشَبَّهَهُ.

وَقَالَ أَصْبَغُ تَجُوزُ وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ إذَا عَقِلَا مَا يَفْعَلَانِ، وَهَذَا فِيمَا لَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ، وَأَمَّا التَّدْبِيرُ فَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لَا يَجُوزُ تَدْبِيرُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ،.

وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَجُوزُ تَدْبِيرُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالتَّدْبِيرِ أَنَّ التَّدْبِيرَ عَقْدٌ لَازِمٌ.

(فَرْعٌ) إذَا أَوْصَى الصَّبِيُّ إلَى غَيْرِ وَصِيِّهِ فَفَرَّقَ ثُلُثَهُ فَلِلْوَصِيِّ أَنْ لَا يَلِيَ غَيْرَهُ تَفْرِيقَ ثُلُثِهِ قَالَهُ أَشْهَبُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ إنْفَاذُ ثُلُثِهِ فِي وُجُوهِ وَصِيَّتِهِ وَلَيْسَ لَهُ صَرْفُ تَوَلِّي ذَلِكَ إلَى غَيْرِ وَصِيِّهِ الَّذِي قَدْ لَزِمَهُ حَجْرُهُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الصَّغِيرُ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَصِيَّتُهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَصْدُهُ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَلْيُوصِ لَهَا وَهِيَ بِنْتُ عَمِّهِ مِنْ قَرَابَتِهِ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْقَرِيبِ الَّذِي لَا يَرِثُ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: ١٨٠] فَنُسِخَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْوَارِثِ وَبَقِيَتْ فِي حَقِّ الْوَارِثِ الْقَرِيب

<<  <  ج: ص:  >  >>