للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبُو جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمِيصَةً شَامِيَّةً لَهَا عَلَمٌ يَشْهَدُ فِيهَا الصَّلَاةَ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ رُدِّي هَذِهِ الْخَمِيصَةَ إلَى أَبِي جَهْمٍ فَإِنِّي نَظَرْت إلَى عَلَمِهَا فِي الصَّلَاةِ فَكَادَ يَفْتِنُنِي» )

ــ

[المنتقى]

[النَّظَرُ فِي الصَّلَاةِ إلَى مَا يَشْغَلُك عَنْهَا]

(ش) : الْخَمِيصَةُ كِسَاءُ صُوفٍ رَقِيقٌ يَكُونُ لَهُ فِي الْأَغْلَبِ عَلَمٌ وَكَانَتْ مِنْ لِبَاسِ أَشْرَافِ الْعَرَبِ وَشُهُودُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا الصَّلَاةَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ بِهَا وَذَلِكَ لِمَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الصُّوفَ وَالشَّعْرَ لَا يَنْجَسُ بِالْمَوْتِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ حَلَالٌ لَنَا وَهُمْ كَانُوا سُكَّانَ الشَّامِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيُحْمَلُ مَا وَرَدَ مِنْ جِهَتِهِمْ عَلَى الذَّكَاةِ لِمَا عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَمَلَهُمْ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ رُدِّي هَذِهِ الْخَمِيصَةَ إلَى أَبِي جَهْمٍ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ رَدِّ الْهَدِيَّةِ إلَى مُهْدِيهَا بِاخْتِيَارِ الْمُهْدَى إلَيْهِ وَقَوْلُهُ فَإِنِّي نَظَرْتُ إلَى عَلَمِهَا فِي الصَّلَاةِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ بَيَّنَ عِلَّةَ رَدِّهَا لِيُقْتَدَى بِهِ فِي تَرْكِ لِبَاسِهَا مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ.

وَالثَّانِي: عَلَى وَجْهِ التَّأْنِيسِ لِأَبِي جَهْمٍ فِي رَدِّ هَدِيَّتِهِ إلَيْهِ وَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ الْفِتْنَةَ لَمْ تَقَعْ وَأَنَّ صَلَاتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمُلَتْ بِقَوْلِهِ فَكَادَ يَفْتِنُنِي.

(ش) : لِبَاسُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخَمِيصَةَ دَلِيلٌ عَلَى إبَاحَةِ لُبْسِهَا وَإِنْ كَانَ لَهَا عَلَمٌ وَالْأَنْبِجَانِيَّةَ وَالْأَنْبِجَانِيُّ كِسَاءُ صُوفٍ غَلِيظٌ إنْ أَرَدْت الثَّوْبَ وَالْكِسَاءَ ذَكَّرْتَ وَإِنْ أَرَدْت الرُّقْعَةَ وَالْخَمِيصَةَ أَنَّثْت قَالَ ثَعْلَبٌ يُقَالُ أَنْبِجَانِيَّةٌ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا فِي كُلِّ مَا كَثُفَ وَالْتَفَّ يُقَالُ شَاةٌ أَنْبِجَانِيَّةٌ إذَا كَانَ صُوفُهَا كَثِيرًا مُلْتَفًّا وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ إنَّمَا هِيَ مَنْبَجَانِيٌّ وَلَا يُقَالُ الْبَجَانِيُّ إنَّمَا هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى مَنْبِجَ وَفُتِحَتْ بَاؤُهُ فِي النَّسَبِ لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ مَنْظَرَانِيٍّ وَمَخْبَرَانِيٍّ وَاَلَّذِي قَالَهُ ثَعْلَبٌ أَظْهَرُ وَالنَّسَبُ إلَى مَنْبِجَ مَنْبِجِيٌّ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ أَعْطَاهَا أَبَا جَهْمٍ وَأَخَذَ مِنْ أَبِي جَهْمٍ أَنْبِجَانِيَّةً لَهُ يَقْتَضِي الْمُعَاوَضَةَ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهَا التَّبَسُّطَ عَلَى مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُسْعِفُ رَغْبَتَهُ وَلَا يَرُدُّ إرَادَتَهُ فَإِنْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ الَّذِي يَرْوِيهِ عَلْقَمَةُ فِي أَنَّ أَصْلَ الْخَمِيصَةِ مِنْ عِنْدِ أَبِي جَهْمٍ أَهْدَاهَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا أُهْدَاهُ مِنْ الْمُهْدِي لَهُ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ الصَّدَقَةِ الَّتِي يُكْرَهُ لِلْمُتَصَدِّقِ بِهَا أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِمَنْعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمَرَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْفَرَسَ الَّذِي كَانَ حَمَلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ أَبِي جَهْمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِمَ؟ سُؤَالٌ عَنْ مَعْنَى كَرَاهِيَتِهِ لِلْخَمِيصَةِ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ حَدَثَ فِيهَا تَحْرِيمُ لُبْسِهَا فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي نَظَرْت إلَى عَلَمِهَا فِي الصَّلَاةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى كَرَاهِيَةِ الِاشْتِغَالِ عَنْ الصَّلَاةِ بِالنَّظَرِ إلَى غَيْرِهَا يُقَلِّبُهُ فِيهَا دُونَ تَكَلُّفٍ وَلَا قَصْدٍ وَلَا امْتِنَاعٍ مِنْ كُلِّ مَا يَشْغَلُ فِيهَا وَالْقَصْدِ إلَى التَّفَرُّغِ لَهَا وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْنَا أَنْ نَلْبَسَ مِنْ الثِّيَابِ خَيْرَهَا وَلَا مَا يُمْكِنُ أَنْ يُنْظَرَ إلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَمْنَعْ أَبَا جَهْمٍ مِنْ لُبْسِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ قَدْ فُرِضَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يُفْرَضْ عَلَى غَيْرِهِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بِالصَّلَاةِ عَلَى أَكْمَلِ وُجُوهِهَا وَيُزِيلَ عَنْ نَفْسِهِ كُلَّ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِإِدْخَالِ النَّقْصِ فِيهَا بِالشُّغُلِ عَنْهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَاجِبًا فَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ «أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ يُصَلِّي فِي حَائِطِهِ فَطَارَ دُبْسِيٌّ فَطَفِقَ يَتَرَدَّدُ يَلْتَمِسُ مَخْرَجًا فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ فَجَعَلَ يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ سَاعَةً ثُمَّ رَجَعَ إلَى صَلَاتِهِ فَإِذَا هُوَ لَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى فَقَالَ لَقَدْ أَصَابَتْنِي فِي مَالِي هَذَا فِتْنَةٌ فَجَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ لَهُ الَّذِي أَصَابَهُ فِي حَائِطِهِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ صَدَقَةٌ لِلَّهِ فَضَعْهُ حَيْثُ شِئْتَ» ) .

(ش) : قَوْلُهُ فَطَفِقَ يَتَرَدَّدُ يَلْتَمِسُ مَخْرَجًا يَعْنِي أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>