للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّرْطُ فِي الْعِتْقِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ فَبَتَّ عِتْقَهُ حَتَّى تَجُوزَ شَهَادَتُهُ وَتَتِمَّ حُرِّيَّتُهُ وَيَثْبُتَ مِيرَاثُهُ فَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا يَشْتَرِطَ عَلَى عَبْدِهِ وَلَا يَحْمِلَ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الرِّقِّ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ» قَالَ مَالِكٌ فَهُوَ إذَا كَانَ لَهُ الْعَبْدُ خَالِصًا أَحَقُّ بِاسْتِكْمَالِ عَتَاقَتِهِ وَلَا يَخْلِطُهَا بِشَيْءٍ مِنْ الرِّقِّ) .

ــ

[المنتقى]

وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا يُقَوَّمُ فِي مَرَضِهِ وَلْيُوقَفْ أَبَدًا حَتَّى يَمُوتَ فَيُعْتَقَ مَا بَقِيَ فِي ثُلُثِهِ، أَوْ يَصِحَّ فَيَكُونُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ إلَّا أَنْ يُعْتِقَ الشَّرِيكُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْقِيمَةَ إنَّمَا تَلْزَمُهُ يَوْمَ الْحُكْمِ فِيهِ لَكِنَّهُ حُكْمٌ مُتَوَقِّفٌ لِتَجْوِيزِ الصِّحَّةِ وَالْمَوْتِ فَإِنْ صَحَّ لَزِمَتْهُ تِلْكَ الْقِيمَةُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ وَإِنْ مَاتَ لَزِمَتْ فِي ثُلُثِ مَالِهِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْفُذْ الْعِتْقُ الْآنَ فَلَا مَعْنَى لِتَعْجِيلِ التَّقْوِيمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[الشَّرْطُ فِي الْعِتْقِ]

(ش) : مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ بَتَلَ عِتْقَ عَبْدِهِ مُعَجَّلًا وَلَمْ يُعَلِّقْ ذَلِكَ بِأَجَلٍ وَلَا عَمَلٍ يَقَعُ الْعِتْقُ بَعْدَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ فِي هَذَا الْعِتْقِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ عَمَلًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُبْقِيَ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الرِّقِّ وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلْمَالِ الْمُشْتَرَطِ عَلَيْهِ.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْكَ أَلْفُ دِينَارٍ فَلَمْ يَرْضَ الْعَبْدُ فَذَلِكَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَرِهَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ.

وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ هُوَ حُرٌّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

وَرُوِيَ عَنْ ابْن الْقَاسِم أَنَّهُ قَالَ وَذَلِكَ أَحَبُّ إلَيَّ وَرَوَى فِي الْعُتْبِيَّةِ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنَّ عَلَيْكَ خَمْسِينَ دِينَارًا أَنَّ الْعَبْدَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَنْ يُتْبَعَ بِهَا وَيُعَجِّلَ عِتْقَهُ وَإِنْ كَرِهَ أَنْ يَكُونَ غَرِيمًا فَلَا عَتَاقَةَ لَهُ.

وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ نَحْوَهُ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّهُ أَلْزَمُهُ ذَلِكَ قَبْلَ الْعِتْقِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ كَمَا لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ ذَلِكَ لِغَيْرِ حُرِّيَّةٍ فَلَمْ يَزِدْ ذَلِكَ الْحُرِّيَّةَ إلَّا صِحَّةً وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ أَصْبَغُ بِأَنَّ لَهُ أَنْ يُكْرِهَهُ عَلَى النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَانْتِزَاعِ الْمَالِ فَكَأَنَّهُ بَاعَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي مُتَابَعَةِ سَعِيدٍ أَنَّ الْعِتْقَ قَدْ أَوْقَعَهُ فَيَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ فِيهِ خِيَارًا وَلَا يَلْزَمُ الْعَبْدُ مَا أَلْزَمَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ مِنْ الْمَالِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ مَا أَلْزَمَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ مِنْ الْعَمَلِ.

وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَشْغَلَ ذِمَّتَهُ إلَّا بِرِضَاهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى مَا لَيْسَ عِنْدَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا بِرِضَاهُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا إنْ شَرَطَ عَلَيْهِ عَمَلًا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْعِتْقِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي سَنَةً فَذَلِكَ عَلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَمَّا إنْ كَانَ الْعَمَلُ بَعْدَ الْعِتْقِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ وَاخْدُمْنِي سَنَةً فَهُوَ حُرٌّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنْ لَا تُفَارِقَنِي قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ حُرٌّ وَشَرْطُهُ بَاطِلٌ وَوَجْهُ ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَ مَالِكٌ مِنْ تَعْجِيلِ الْعِتْقِ مَعَ إبْقَاءِ شَيْءٍ مِنْ الرِّقِّ، وَذَلِكَ مُتَنَافٍ يَنْفُذُ الْعِتْقُ وَيَبْطُلُ مَا أَبْقَى مِنْ الِاسْتِرْقَاقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَحْكَامِ الرِّقِّ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَثْبُتُ عَلَى الْأَحْرَارِ وَيَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ تَعَلُّقِهِ بِذِمَمِ الْعَبْدِ فَلَا يُنَافِي الْحُرِّيَّةَ بَلْ إذَا تَعَلَّقَ بِذِمَّةِ الْعَبْدِ عَلَى وَجْهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّةِ الْحُرِّ أَكَّدَ الْحُرِّيَّةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ لَفْظَ: أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْك كَذَا هُوَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِ مَنْ يَرَى لُزُومَ ذَلِكَ لِلْعَبْدِ وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنَّ عَلَيْك كَذَا فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ اللَّفْظَانِ سَوَاءٌ وَيَثْبُتُ فِيهِمَا الْخِيَارُ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا وَلَا خِيَارَ لِلْعَبْدِ وَفَرَّقَ بَيْنَ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنْ تُؤَدِّيَ إلَيَّ كَذَا فَقَالَ هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>