للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

لَكَانَ أَحَقَّ بِمِيرَاثِهِ مَنْ يَرِثُهُ بِالنَّسَبِ وَالرِّقُّ يُنَافِي التَّوَارُثَ، وَلَكِنَّهُ يَسْتَحِقُّ مَا لَهُ بِسَبَبِ مِلْكِهِ لَهُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَإِنْ أَسْلَمَ الْيَهُودِيُّ، أَوْ النَّصْرَانِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ الْوَلَاءُ أَبَدًا، وَذَلِكَ أَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ فِي وَقْتٍ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ افْتِرَاقُ الدِّينَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ وَلَاءُ مُسْلِمٍ لِلْكَافِرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [المائدة: ٥١] فَإِذَا أَعْتَقَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ وَلَمْ يَصِحَّ ثُبُوتُ الْوَلَاءِ لِلْكَافِرِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْوَلَاءِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَوْضِعٌ يَرْجِعُ إلَيْهِ إلَّا إلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَيَثْبُتُ وَلَاؤُهُ لَهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: ٧١] .

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَإِنْ أَعْتَقَ الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ عَبْدًا عَلَى دِينِهِ، ثُمَّ أَسْلَمَ الْمُعْتَقُ، ثُمَّ أَسْلَمَ مَنْ أَعْتَقَهُ رَجَعَ إلَيْهِ وَلَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لَهُ الْوَلَاءُ يَوْمَ أَعْتَقَهُ يُرِيدُ أَنَّ النَّصْرَانِيَّ إنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ النَّصْرَانِيَّ فَقَدْ ثَبَتَ لَهُ وَلَاؤُهُ لِاتِّفَاقِ الدِّينَيْنِ فَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا، ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتَقُ لَمْ يَرِثْهُ الْمُعْتِقُ لِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ وَذَلِكَ مَعْنًى يَمْنَعُ التَّوَارُثَ مَعَ النَّسَبِ، وَكَذَلِكَ مَعَ الْوَلَاءِ وَلَوْ جَمَعَهُمَا الْإِسْلَامُ بَعْدَ الْعِتْقِ، ثُمَّ مَاتَ لَوَرِثَهُ الْمُعْتِقُ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي الدِّينِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ افْتِرَاقُهُمَا فِي الدِّينِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ كَمَا لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ افْتِرَاقُهُمَا فِي الدِّينِ بَعْدَ ثُبُوتِ النَّسَبِ إذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ يَوْمَ التَّوَارُثِ فَالْمُرَاعَى فِي ثُبُوتِ الْوَلَاءِ يَوْمَ الْعِتْقِ أَنْ يَكُونَا عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ لَا يُبَالِي أَيُّ دِينٍ كَانَ مِنْ إيمَانٍ، أَوْ كُفْرٍ وَالْمُرَاعَى فِي اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ لِيَوْمِ الْمَوْتِ أَنْ يَكُونَا عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْكُفْرَ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ وَإِنَّمَا يَمْنَعُهُ اخْتِلَافُ الدِّينَيْنِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ لِلْيَهُودِيِّ أَوْ النَّصْرَانِيِّ وَلَدٌ مُسْلِمٌ وَرِثَ مَوْلَى أَبِيهِ الْيَهُودِيِّ أَوْ النَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَ الْمُعْتَقُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ الَّذِي أَعْتَقَهُ يُرِيدُ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ الْكَافِرَ ثَبَتَ لَهُ وَلَاؤُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَإِذَا أَسْلَمَ الْمُعْتَقُ بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَاتَ وَلِمُعْتَقِهِ وَلَدٌ مُسْلِمٌ وَرِثَهُ الْوَلَدُ الْمُسْلِمُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ حَالَ الْعِتْقِ مَا يُوجِبُ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ مِنْ اتِّفَاقِ دِينِ الْمُعْتَقِ وَالْمُعْتِقِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ الْمُعْتِقُ، ثُمَّ أَسْلَمَ الْمُعْتَقُ وَرِثَهُ، ثُمَّ وُجِدَ يَوْمُ التَّوَارُثِ اتِّفَاقُ دِينِ الْوَارِثِ وَهُوَ وَلَدُ الْمُعْتِقِ وَدِينُ الْمَوْرُوثِ وَكَانَ الْمُعْتِقُ لِكُفْرِهِ لَا يَرِثُ الْمُعْتَقَ الْمُسْلِمَ وَلَا يَحْجُبُ أَحَدًا عَنْ مِيرَاثِهِ كَمَا لَوْ مَاتَ فَإِنَّ وَلَدَهُ يَرِثُ مَنْ ثَبَتَ لَهُ وَلَاؤُهُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ أَنَّ الْيَهُودِيَّ أَوْ النَّصْرَانِيَّ اتَّخَذَ أُمَّ وَلَدٍ عَلَى دِينِهِ، ثُمَّ أَسْلَمَتْ، ثُمَّ أَعْتَقَهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ مَاتَتْ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ يَرِثُهَا وَلَدُهُ الْمُسْلِمُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَرْجِعُ إلَيْهِ وَلَاؤُهَا إنْ أَسْلَمَ قَالَ، وَكَذَلِكَ مُدَبَّرُهُ وَمُكَاتَبُهُ لِعَقْدِهِ ذَلِكَ فِي نَصْرَانِيَّتِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَلَوْ كَانَ الْمُعْتِقُ حِينَ أَعْتَقَ مُسْلِمًا لَمْ يَرِثْهُ الْمُسْلِمُ مِنْ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ وَالْيَهُودِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَلَاءٌ فَوَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ يُرِيدُ أَنَّهُ إنْ أَعْتَقَ النَّصْرَانِيُّ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ، ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتِقُ لَهُ لَمْ يَرِثْهُ الْمُسْلِمُ مِنْ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ الْمُعْتِقِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَمْ يَثْبُتْ لِلنَّصْرَانِيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ لِاخْتِلَافِ دِينِهِمَا حِين الْعِتْقِ فَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ الْوَلَاءُ لِلنَّصْرَانِيِّ ثَبَتَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا مَاتَ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ وَرِثَهُ الْمُسْلِمُونَ؛ لِأَنَّ وَلَاءَهُ لَمْ يَثْبُتْ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِذَا أَعْتَقَ الْمُسْلِمُ نَصْرَانِيًّا فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْوَلَاءُ مُرَاعًى فَإِنْ أَسْلَمَ ثَبَتَ وَلَاؤُهُ لَهُ وَوَرِثَهُ وَإِنْ مَاتَ النَّصْرَانِيُّ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ فَلَا وَلَاءَ لِلْمُسْلِمِ عَلَيْهِ وَلَا يَرِثُهُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَاؤُهُ ثَابِتٌ وَيَرِثُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولهُ أَنَّ الْوَلَاءَ مَعْنًى يُتَوَارَثُ بِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ اتِّفَاقُ الدِّينِ كَالنَّسَبِ وَالصِّهْرِ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يَرِثُ بِالنَّسَبِ لَا يَرِثُ بِالْوَلَاءِ أَصْلُ ذَلِكَ الْقَاتِلُ عَمْدًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأُحْكَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>