للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا أَشْبَاهُ هَذَا مِنْ أَمْرِهِ وَلَا يَنْبَغِي لِسَيِّدِهِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ خِدْمَةً بَعْدَ عَتَاقَتِهِ) .

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي مُكَاتَبٍ مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا فَأَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ نُجُومَهُ كُلَّهَا إلَى سَيِّدِهِ لَأَنْ يَرِثَهُ وَرَثَةٌ لَهُ أَحْرَارٌ وَلَيْسَ مَعَهُ فِي كِتَابَتِهِ وَلَدٌ لَهُ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَتِمُّ بِذَلِكَ حُرْمَتُهُ وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَيَجُوزُ اعْتِرَافُهُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ دُيُونِ النَّاسِ وَتَجُوزُ وَصِيَّتُهُ وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَأْبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَقُولَ فَرَّ مِنِّي بِمَالِهِ) .

ــ

[المنتقى]

[عِتْقُ الْمُكَاتَبِ إذَا أَدَّى مَا عَلَيْهِ قَبْلَ مَحِلِّهِ]

(ش) : امْتِنَاعُ الْفُرَافِصَةِ مِنْ قَبْضِ كِتَابَةِ مُكَاتَبِهِ قَبْلَ مَحِلِّ نُجُومِهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَاتَبَهُ عَلَى عُرُوضٍ مُؤَجَّلَةٍ فَلِذَلِكَ امْتَنَعَ مِنْ أَخْذِهَا لَمَّا جَوَّزَ أَنَّهَا أَكْثَرُ قِيمَةً عِنْدَ مَحِلِّ نُجُومِهَا.

وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ إذَا عَجَّلَ الْمُكَاتَبُ كِتَابَتَهُ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ الِامْتِنَاعُ مِنْ أَخْذِهَا؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقٌّ لِلْمُكَاتَبِ، وَرِفْقٌ بِهِ فَإِذَا رَضِيَ إسْقَاطَهُ كَانَ ذَلِكَ لَهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ الِامْتِنَاعُ مِنْ قَبْضِهَا.

وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إذَا عَجَّلَ الْمُكَاتَبُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الضَّحَايَا عَتَقَ إنْ كَرِهَ السَّيِّدُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا عَلَى أَنَّهَا قَدْ حَلَّتْ لَا قِيمَتُهَا إلَى مَحِلِّهَا.

(فَصْلٌ) :

وَلَمَّا امْتَنَعَ الْفُرَافِصَةُ مِنْ قَبْضِ ذَلِكَ كَانَ لِمَرْوَانَ جَبْرُهُ عَلَى قَبْضِهِ إلَّا أَنَّهُ رَأَى تَعْجِيلَ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ وَوَضْعِ الْكِتَابَةِ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يُؤْمَنُ عَدَمُ الْأَدَاءِ فِيهِ وَمِثْلُ هَذَا يَجُوزُ فِعْلُهُ إذَا رَآهُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْجُزْءِ الْمَقْصُودِ بِتَعْجِيلِ الْأَدَاءِ وَهُوَ إنْفَاذُ الْعِتْقِ، وَلِذَلِكَ جَازَ لِلْمُكَاتَبِ تَعْجِيلُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ، وَإِنْ كَانَتْ عُرُوضًا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَعْجِيلِ الْعِتْقِ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَيْنٍ ثَابِتٍ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَضَعُ عَنْ الْمُكَاتَبِ بِالْأَدَاءِ كُلَّ شَرْطٍ أَوْ خِدْمَةٍ أَوْ سَفَرٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا تَتِمُّ عَتَاقَتُهُ إنْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَسْبَابِ الرِّقِّ وَمَا شَرَطَ عَلَيْهِ مِنْ سَفَرٍ أَوْ خِدْمَةٍ فَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ أَسْبَابِ الرِّقِّ يَمْنَعُ قَبُولَ شَهَادَتِهِ وَتَمَامَ حُرْمَتِهِ وَمُوَارَثَةِ الْأَحْرَارِ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَفِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ أَحَدُهُمَا الَّتِي تَقَدَّمَتْ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ وَهِيَ فِي الْعُتْبِيَّةِ رِوَايَةُ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا شَرَطَ مِنْ ذَلِكَ تَابِعٌ لِلْكِتَابَةِ فَإِذَا عَجَّلَتْ سَقَطَ مَا يَتْبَعُهَا، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ ثُبُوتُ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَنَّهُ بَعْضُ الْعِوَضِ فِي عِتْقِ الرَّقَبَةِ فَلَمْ تَسْقُطْ كَالْكِتَابَةِ نَفْسِهَا، قَالَ فَإِذَا قُلْنَا لَا تَسْقُطُ فَيَتَخَرَّجُ مَا يَلْزَمُهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ يُؤَدِّيهِ بِعَيْنِهِ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ وَلَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَائِهِ وَالْأُخْرَى يُؤَدِّي قِيمَةَ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ مَعَ كِتَابَتِهِ مُعَجَّلًا وَلَا يُؤَخِّرُهُ وَهَذِهِ رِوَايَةُ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ وَقَدْ رَجَعَ عَنْهُ مَالِكٌ وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بِهِ عِوَضًا وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُيَسَّرٍ الْقِيَاسُ رِوَايَةُ أَشْهَبَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ كِسْوَةٍ وَضَحَايَا فَإِنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَةَ ذَلِكَ مُعَجَّلًا هَذَا الَّذِي رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ إنَّ عَلَيْهِ تَعْجِيلَ الْيَمِينِ عَلَى مَا ثَبَتَ لَهَا مِنْ الصِّفَةِ بِمَوْصُوفٍ أَوْ إطْلَاقٍ لَمَا بَعُدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ حَالَ الْمَرَضِ فِي ذَلِكَ كَحَالِ الصِّحَّةِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ كِتَابَتَهُ وَيُعَجِّلَهَا حَالَ مَرَضِهِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ وَلَزِمَ السَّيِّدَ قَبْضُهَا مِنْهُ، وَيَتِمُّ عِتْقُهُ بِأَدَائِهَا حَالَ مَرَضِهِ كَمَا يَتِمُّ عِتْقُهُ بِأَدَائِهَا حَالَ صِحَّتِهِ فَتَجُوزُ بِذَلِكَ شَهَادَتُهُ وَيُوَارَثُ الْأَحْرَارُ، وَذَلِكَ إذَا عَقَدَ كِتَابَتَهُ فِي الصِّحَّةِ وَثَبَتَ دَفْعُهُ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِذَلِكَ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ إلَّا بِإِقْرَارِ السَّيِّدِ فِي مَرَضِهِ فَقَبَضَهَا مِنْهُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إنَّ حَمْلَهُ الثُّلُثَ جَازَ وَعَتَقَ اُتُّهِمَ أَوْ لَمْ يُتَّهَمْ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ وَقَعَ فِي الصِّحَّةِ فَثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الصِّحَّةِ وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِقَبْضِ الْمَالِ فَكَانَ فِي الْمَرَضِ فَيُحْمَلُ مَحْمَلَ الْوَصِيَّةِ إنْ حَمَّلَهُ الثُّلُثَ جَازَ إقْرَارُهُ وَإِنْ اُتُّهِمَ بِالْمَيْلِ إلَيْهِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يُحَمِّلْهُ الثُّلُثَ وَكَانَ لِلسَّيِّدِ وَلَدٌ لَمْ يُتَّهَمْ وَجَازَ قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ.

وَقَالَ أَشْهَبُ إنْ لَمْ يُتَّهَمْ السَّيِّدُ بِانْقِطَاعِ الْمُكَاتَبِ إلَيْهِ جَازَ قَوْلُهُ، وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُحَمِّلْهُ الثُّلُثَ لَمْ يُتَّهَمْ عَلَى أَنْ يُحَابِيَهُ وَيَعْدِلَ بِالْمَالِ عَنْ ابْنِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ مَا اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ الْعَادَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ اُتُّهِمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>