للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ إذَا نَزَلَ الْإِمَامُ بِقَرْيَةٍ تَجِبُ فِيهَا الْجُمُعَةُ وَالْإِمَامُ مُسَافِرٌ فَخَطَبَ وَجَمَعَ بِهِمْ فَإِنَّ أَهْلَ تِلْكَ الْقَرْيَةِ وَغَيْرَهُمْ يَجْمَعُونَ مَعَهُ)

ــ

[المنتقى]

[مَا جَاءَ فِي الْإِمَامِ يَنْزِلُ بِقَرْيَةٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي السَّفَرِ]

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ شُرُوطَ الْجُمُعَةِ قَدْ وُجِدَتْ وَالْإِمَامُ وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا فَإِنَّ وَالِيَهُ النَّائِبَ عَنْهُ مُسْتَوْطِنٌ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَإِنْ كَانَتْ الْجُمُعَةُ تَجِبُ بِحَقِّ النِّيَابَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَجَبَتْ أَيْضًا عَلَى الْإِمَامِ الَّذِي يَنُوبُ عَنْهُ الْوَالِي وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالْقَصْرِ أَنَّ مَنْ كَانَ فَرْضُهُ الْإِتْمَامَ أَتَمَّ وَرَاءَ مَنْ يَقْصُرُ وَمَنْ كَانَ فَرْضُهُ فِي الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا وَرَاءَ مَنْ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ الْإِمَامُ دُونَ الْوَالِي لِأَنَّ الْقَرْيَةَ الْمُجْمَعُ بِهَا مِنْ عَمَلِهِ وَنَظَرِهِ وَإِنَّمَا يَنُوبُ الْوَالِي عَنْهُ مَعَ غَيْبَتِهِ فَإِذَا حَضَرَ كَانَ أَحَقَّ بِالصَّلَاةِ فَإِنْ صَلَّى الْوَالِي جَازَتْ الصَّلَاةُ كَمَا لَوْ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ فِي وَطَنِهِ مَنْ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ وَهُوَ حَاضِرٌ وَجُمْلَةُ مَا تُبْنَى عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةُ أَنَّ لِلْجُمُعَةِ أَرْبَعَةَ شُرُوطٍ تَجِبُ بِوُجُودِهَا وَلَهَا شَرْطٌ آخَرُ هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا بَعْدَ وُجُوبِهَا فَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ فَهِيَ مَوْضِعُ اسْتِيطَانٍ وَإِقَامَةٍ وَجَامِعٍ وَجَمَاعَةٍ وَإِمَامٍ وَأَمَّا الْمَعْنَى الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا فَهُوَ الْخُطْبَةُ وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ كُلَّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَأَمَّا مَوْضِعُ الِاسْتِيطَانِ فَإِنَّمَا يُعْنَى بِهِ الْمِصْرُ وَالْقَرْيَةُ وَإِنَّمَا يُخْتَلَفُ فِي الِاسْتِيطَانِ وَالْإِقَامَةِ فَهِيَ اعْتِقَادُ الْمَقَامُ بِمَوْضِعٍ مُدَّةً يَلْزَمُهُ إتْمَامُ الصَّلَاةِ بِهَا فَكُلُّ اسْتِيطَانٍ إقَامَةٌ وَلَيْسَ كُلُّ إقَامَةٍ اسْتِيطَانًا فَإِنْ عَلَّلْنَا بِالِاسْتِيطَانِ فَلَا يَجُوزُ لِجَمَاعَةٍ مَرَّتْ بِقَرْيَةٍ خَالِيَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَعَقَدُوا فِيهَا إقَامَةَ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ أَنْ يَجْمَعُوا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضِعِ اسْتِيطَانٍ وَإِنْ عَلَّلْنَا بِالْإِقَامَةِ جَازَ لَهُمْ ذَلِكَ وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ.

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَوْضِعُ الِاسْتِيطَانِ هُوَ الْمِصْرُ أَوْ الْقَرْيَةُ الْجَامِعَةُ الْمُتَّصِلَةُ الْبُنْيَانِ فَأَمَّا الْمِصْرُ فَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْجُمُعَةِ فِيهِ وَأَمَّا الْقَرْيَةُ فَإِنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَعَلَهَا فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمِصْرِ فَقَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرِ إنْ كَانَتْ الْقَرْيَةُ بُيُوتُهَا مُتَّصِلَةٌ وَطُرُقُهَا فِي وَسَطِهَا وَفِيهَا سُوقٌ وَمَسْجِدٌ يُجْمَعُ فِيهِ لِلصَّلَوَاتِ فَلْيَجْمَعُوا كَانَ لَهُمْ وَالٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تُقَامُ الْجُمُعَةُ إلَّا فِي مِصْرٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إنَّ «أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ لَجُمُعَةٌ جُمِّعَتْ بِجُوَاثَى قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الْبَحْرَيْنِ» وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ عَلَى أَهْلِ الْعَمُودِ جُمُعَةٌ.

(فَرْعٌ) وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ فِي تَحْدِيدِ الْقَرْيَةِ الَّتِي تَلْزَمُ فِيهَا الْجُمُعَةُ فَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ فِي ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ الْقَرْيَةُ الْمُتَّصِلَةُ الْبُنْيَانِ وَرَوَى عَنْهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّهَا الَّتِي فِيهَا ثَلَاثُونَ بَيْتًا مُتَّصِلَةً وَذَلِكَ مُتَقَارِبٌ فِي الْمَعْنَى وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْقَرْيَةُ الْمَوْصُوفَةُ حَيْثُ الْجَامِعُ فَإِنْ كَانَ مَوْضِعُ الْجَامِعِ لَا تَصِحُّ فِيهَا الْجُمُعَةُ بِانْفِرَادِهِ وَيَجْتَمِعُ إلَيْهِ مِمَّنْ يَقْرَبُ مِنْهُ عَدَدٌ كَثِيرٌ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ الْجُمُعَةُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لِأَنَّ مَوْضِعَ إقَامَتِهَا لَا تَصِحُّ فِيهِ الْجُمُعَةُ بِانْفِرَادِهِ فَلَا تَصِحُّ بِمَا هُوَ تَبَعٌ لَهُ.

(فَصْلٌ) :

فَأَمَّا الْجَامِعُ فَإِنَّهُ مِنْ شُرُوطِ الْجُمُعَةِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ إلَّا خِلَافٌ لَا يُعْتَدُّ بِهِ مِمَّا نَقَلَهُ الْقَزْوِينِيُّ فِي كِتَابِهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصَّالِحِيِّ وَتَأَوَّلَهُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَتَأَوَّلَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْجُمُعَةَ تُقَامُ فِي الْقَرْيَةِ الْمُتَّصِلَةِ الْبُنْيَانِ الَّتِي بِهَا الْأَسْوَاقُ وَتَرَكَ ذِكْرَ الْأَسْوَاقِ مَرَّةً أُخْرَى فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّالِحِيُّ لَوْ كَانَ مِنْ صِفَةِ الْقَرْيَةِ أَنْ يَكُونَ فِيهَا الْجَامِعُ لَذَكَرَهُ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا عِنْدِي غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ مِنْ ذِكْرِ الْقَرْيَةِ إلَى مَا يَخْتَصُّ بِصِفَاتِهَا دُونَ أَنْ يَذْكُرَهَا فَهُوَ شَرْطٌ مُنْفَرِدٌ عَنْهَا كَمَا لَمْ يَذْكُرْ أَنْ تَكُونَ مَعْمُورَةً بِعَدَدٍ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ وَأَنْ يَحْضُرَهَا إمَامٌ وَأَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>