للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْعُ الْمُدَبَّرِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الْمُدَبَّرِ أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَبِيعُهُ وَلَا يُحَوِّلُهُ عَنْ مَوْضِعِهِ الَّذِي وَضَعَهُ فِيهِ وَأَنَّهُ إنْ رَهِقَ سَيِّدَهُ دَيْنٌ فَإِنَّ غُرَمَاءَهُ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى بَيْعِهِ مَا عَاشَ سَيِّدُهُ فَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهُ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَهُوَ فِي ثُلُثِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى عَلَيْهِ عَمَلَهُ مَا عَاشَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْدُمَهُ حَيَاتَهُ ثُمَّ يُعْتِقَهُ عَلَى وَرَثَتِهِ إذَا مَاتَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُ الْمُدَبَّرِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ عَتَقَ ثُلُثُهُ وَكَانَ ثُلُثَاهُ لِلْوَرَثَةِ فَإِنْ مَاتَ سَيِّدُ الْمُدَبَّرِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِالْمُدَبَّرِ بِيعَ فِي دَيْنِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَعْتِقُ فِي الثُّلُثِ قَالَ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لَا يُحِيطُ إلَّا بِنِصْفِ الْعَبْدِ بِيعَ نِصْفُهُ لِلدَّيْنِ، ثُمَّ عَتَقَ ثُلُثُ مَا بَقِيَ بَعْدَ الدَّيْنِ)

ــ

[المنتقى]

قَوْلٌ وَاحِدٌ أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ بِهِ التَّدْبِيرَ أَنَّهُ يَلْزَمُ فَكَذَلِكَ الْمُطْلَقُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ عِنْدَنَا صَرِيحٌ فِي التَّدْبِيرِ لَا يَقْبَلُ مِنْهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ غَيْرَ التَّدْبِيرِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْ التَّدْبِيرِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ بِالْفِعْلِ دُونَ الْقَوْلِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي لَهُ الرُّجُوعُ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ عَقْدُ عِتْقٍ اسْتَفَادَ بِهِ اسْمًا يُعْرَفُ بِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ إبْطَالُهُ أَصْلُهُ الْكِتَابَةُ، وَدَلِيلٌ آخَرُ أَنَّ هَذَا عَقْدُ عِتْقٍ لَيْسَ لَهُ إبْطَالُهُ بِالْفِعْلِ أَصْلُهُ مَا ثَبَتَ مِنْ ذَلِكَ لِأُمِّ الْوَلَدِ وَأَمَّا مَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِمَّا رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَجُلًا دَبَّرَ عَبْدًا لَهُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنِّي فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ» قَالُوا وَهَذَا هُوَ أَبُو مَذْكُورٍ الْعَرَبِيُّ دَبَّرَ عَبْدًا لَهُ يُقَالُ لَهُ يَعْفُورٌ فَبَاعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَيْسَ فِيمَا ادَّعَوْهُ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ قَبْلَ التَّدْبِيرِ فَبَاعَهُ لِأَدَاءِ ذَلِكَ الدَّيْنِ وَهَذَا عِنْدَنَا جَائِزٌ وَبَيِّنٌ.

وَجْهُ هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ «لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ» وَعَلَى أَصْلِهِمْ لَا تَأْثِيرَ لِقَوْلِهِ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ، أَوْ لَا يَكُونُ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ وَعَلَى مَا نَقُولُهُ فَهُوَ مُدَبَّرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ لَمْ يُبَعْ فِي دَيْنٍ مُتَقَدَّمٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ يَتَأَدَّى مِنْهُ الدَّيْنُ بِيعَ حِينَئِذٍ لِأَدَاءِ الدَّيْنِ وَيُبَيِّنُ هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ بَاشَرَ الْبَيْعَ وَأَمَرَ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ دَيْنٌ يُبَاعُ مِنْ أَجْلِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا بَيْعُهُ هُوَ عِنْدَهُمْ بِاخْتِيَارِهِ وَقَدْ قَالَ نَحْوَ هَذَا ابْنُ سَحْنُونٍ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَوِيِّ «أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ غُلَامًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ وَكَانَ مُحْتَاجًا وَكَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَبَاعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَهَذَا يُقَوِّي مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ التَّأْوِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ.

وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إنَّ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَدْ رَأَيْته لِابْنِ سَحْنُونٍ وَقَالَ قَوْمٌ إنْ بَاعَ خَدَمَتَهُ فَذَلِكَ مُحْتَمَلٌ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنْ يُعْطِيَهُ مَالًا عَلَى تَعْجِيلِ عِتْقِهِ وَذَلِكَ جَائِزٌ كَمَا يَجُوزُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبَيْعٍ فِي رَقَبَتِهَا.

[بَيْعُ الْمُدَبَّرِ]

(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّ الْمُدَبَّر لَيْسَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَبِيعَهُ وَلَا لَهُ أَنْ يُحَوِّلَهُ عَنْ مَوْضِعِهِ يُرِيدُ إزَالَةَ مَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ التَّدْبِيرِ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَبَاعَهُ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَالِكٌ جَاهِلًا أَوْ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا رُدَّ بَيْعُهُ وَرَجَعَ مُدَبَّرًا كَمَا كَانَ وَهَذَا مَا لَمْ يَعْتِقْهُ الَّذِي اشْتَرَاهُ فَإِنْ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْفَسْخِ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فِيهِ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّ الْعِتْقَ نَافِذٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ وَالثَّانِيَةُ أَنَّ عَقْدَهُ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ فِي الْمُدَبَّرِ يَبِيعُهُ سَيِّدُهُ فَيَعْتِقُ يُرَدُّ عِتْقُهُ وَيَعُودُ مُدَبَّرًا، ثُمَّ قَالَ يَمْضِي وَإِنْ كَتَمَهُ ذَلِكَ وَلَا يُرَدُّ إذَا فَاتَ بِالْعِتْقِ أَوْ بِالْمَوْتِ وَنَحْوِهِ فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ مَالِكٍ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ عَقْدَ التَّدْبِيرِ عَقْدٌ لَازِمٌ فَلَا يُنْقَلُ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْ وَجْهِ الْعِتْقِ كَمَا لَا يُنْقَلُ بِالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ، وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ الْعِتْقَ هَاهُنَا مُرَتَّبٌ عَلَى الْبَيْعِ فَإِذَا لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>