للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا جَاءَ فِي دِيَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى أَنَّ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ أَوْ النَّصْرَانِيِّ إذَا قُتِلَ أَحَدُهُمَا مِثْلُ نِصْفِ دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلَمِ) .

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ إلَّا أَنْ يَقْتُلَهُ مُسْلِمٌ قَتْلَ غِيلَةٍ فَيُقْتَلُ بِهِ) .

ــ

[المنتقى]

[مَا جَاءَ فِي دِيَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ]

(ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ أَوْ النَّصْرَانِيِّ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مِثْلُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «دِيَةُ الْكَافِرِ نِصْفُ دِيَةِ الْمُؤْمِنِ» ، وَلَمْ يَرِدْ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ مِنْ مِثْلِ هَذَا الطَّرِيقِ، وَأَضْعَفُ مِنْهُ دِيَةُ الْكَافِرِ مِثْلُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَتَأَوَّلَ أَصْحَابُنَا ذَلِكَ عَنْهُ لِتَسَامُحٍ فِي تَأْوِيلِ مَا لَمْ يَصِحَّ إسْنَادُهُ إذْ مَعْنَى الْمِثْلِ هَذَا فِي الْعَيْنِ وَالْجِنْسِ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مَا أَعْرِفُ فِي نِصْفِ الدِّيَةِ فِيهِمْ إلَّا قَضَاءَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَكَانَ إمَامُ هُدًى، وَأَنَا أَتْبَعُهُ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْكُفْرَ نَقْصٌ يُؤَثِّرُ فِي الْقِصَاصِ فَوَجَبَ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي نُقْصَانِ الدِّيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ تَكْمُلُ دِيَتُهُ كَالرِّقِّ، وَوَجْهٌ آخَرُ إنَّ نَقْصَ الْكُفْرِ أَعْظَمُ مِنْ نَقْصِ الْأُنُوثَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْأُنُوثَةَ لَا تَمْنَعُ الْقِصَاصَ، وَالْكُفْرُ يَمْنَعُهُ فَإِذَا كَانَتْ الْأُنُوثَةُ تُؤَثِّرُ فِي نَقْصِ الدِّيَةِ فَبِأَنْ يُؤَثِّرَ فِيهِ الْكُفْرُ أَوْلَى وَأَحْرَى.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ دِيَةَ الْكِتَابِيِّ أَقَلُّ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِ فَهِيَ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ثُلُثُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا نَقْصٌ يَمْنَعُ مُسَاوَاةَ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ فِي الدِّيَةِ فَلَمْ يَقْصُرُهَا عَلَى الثُّلُثِ كَنَقْصِ الْأُنُوثَةِ.

(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ إنَّهُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَهُ، وَهُوَ مُسْلِمٌ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ، وَلَوْ قَتَلَهُ، وَهُوَ كَافِرٌ، ثُمَّ أَسْلَمَ لَقُتِلَ بِهِ فَإِنَّهُ يَمْنَع وُجُوبَ الْقِصَاصِ، وَلَا يَمْنَعَ اسْتِيفَاءَهُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ نَاقِصٌ بِالْكُفْرِ فَلَمْ يَجِبْ لَهُ الْقَوَدُ عَلَى الْمُؤْمِنِ كَالْمُسْتَأْمَنِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَيُقْتَلُ الْكَافِرُ بِالْمُسْلِمِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَأَمَّا الْقِصَاصُ فِي الْأَطْرَافِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ لَا قِصَاصَ بَيْنَهُمَا فِي الْأَطْرَافِ.

وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ.

وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ يُجْبَرُ الْمُسْلِمُ فَإِنْ شَاءَ اسْتَقَادَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْعَقْلَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَالصَّوَابُ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ الْقِصَاصَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ كُلَّ مَنْ يُقَادُ بِهِ فِي النَّفْسِ فَإِنَّهُ يُقَادُ فِي الْجُرْحِ كَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا لَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ فَإِنَّهُ يُجْلَدُ مِائَةً، وَيُسْجَنُ سَنَةً، وَتَجِبُ بِهِ الدِّيَةُ، وَعَلَى مَنْ الدِّيَةُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ.

وَقَالَ أَشْهَبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ، وَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَنَّهُ عَمْدٌ لَا قَوَدَ فِيهِ فَكَانَتْ دِيَتُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَدِيَةِ الْجَائِفَةِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ عَمْدٌ مَنَعَ الْقِصَاصَ فِيهِ بَعْضُ الْحُرْمَةِ كَقَتْلِ الْعَبْدِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْقِصَاصَ يَجْرِي بَيْنَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْكُفْرُ فِي ذَلِكَ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ يُقْتَلُ الْيَهُودِيُّ بِالْمَجُوسِيِّ، وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ؛ لِأَنَّ نَقْصَ دِيَتِهِ عَنْ دِيَةِ الْيَهُودِيِّ لَا يَمْنَعُ إلَّا أَنْ يُقْتَلَ بِهِ الْيَهُودِيُّ كَمَا يُقْتَلَ الْحُرُّ بِالْمَرْأَةِ، وَإِنْ كَانَتْ دِيَتُهُمَا نِصْفَ دِيَتِهِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِذَا تَحَاكَمَ إلَيْنَا نَصْرَانِيَّانِ فِي قَتْلٍ فَقَالَ الْقَاتِلُ لَيْسَ فِي دِينِنَا قِصَاصٌ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُقْتَلُ بِهِ، وَقِيلَ إنْ شَهِدَ عَلَيْهِ ذَوَا عَدْلٍ يُسَلَّمُ إلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ يَقْتُلُهُ إنْ شَاءَ فَإِنْ عَفَا عَنْهُ ضَرَبَهُ الْإِمَامُ مِائَةً وَسَجَنَهُ سَنَةً، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إنَّ أَحْكَامَهُمْ بَيْنَهُمْ مَوْقُوفَةٌ عَلَى مُقْتَضَى شَرِيعَتِهِمْ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا مِنْ التَّظَالُمِ فَيُحْكَمُ فِيهِ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>