للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ كَتَبَ إلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ يَذْكُرُ أَنَّهُ أُتِيَ بِسَكْرَانَ قَدْ قَتَلَ رَجُلًا، فَكَتَبَ إلَيْهِ مُعَاوِيَةُ أَنْ اُقْتُلْهُ بِهِ) .

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ أَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْله تَعَالَى {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: ١٧٨] فَهَؤُلَاءِ الذُّكُورُ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى أَنَّ الْقِصَاصَ يَكُونُ بَيْنَ الْإِنَاثِ كَمَا يَكُونُ بَيْنَ الذُّكُورِ، وَالْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ تُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ كَمَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْحُرِّ، وَالْأَمَةُ تُقْتَلُ بِالْأَمَةِ كَمَا يُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ، وَالْقِصَاصُ يَكُونُ بَيْنَ النِّسَاءِ كَمَا يَكُونُ بَيْنَ الرِّجَالِ، وَالْقِصَاصُ أَيْضًا يَكُونُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: ٤٥] فَذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ فَنَفْسُ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ

ــ

[المنتقى]

وَقَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ تَفْسِيرُهُ أَنَّ الْقَاتِلَ أَخَذَ الْمَقْتُولَ فَقَطَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ رِجْلَيْهِ عَلَى وَجْهِ التَّعْذِيبِ وَالتَّطْوِيلِ عَلَيْهِ، فَهَذَا الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُفْعَلَ بِهِ مِثْلُهُ، فَأَمَّا إنْ أَصَابَهُ بِذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمُقَاتَلَةِ فِي النَّائِرَةِ فَيَضْرِبُهُ يُرِيدُ قَتْلَهُ فَيُصِيبُ يَدَهُ فَمَا يَرَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِالضَّرْبِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي الْقَتْلَ دُونَ التَّعْذِيبِ وَالتَّطْوِيلِ فَلَيْسَ فِي هَذَا إلَّا الْقَتْلُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ فَقَأَ رَجُلٌ أَعْيُنًا عَمْدًا أَوْ قَطَعَ أَيْدِيًا وَقَتَلَ، فَإِنَّ الْقَتْلَ يَأْتِي عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ قَالَهُ عِيسَى فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُقَادُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْقِصَاصَ بَذْلٌ لِلنَّفْسِ فَدَخَلَتْ الْأَعْضَاءُ فِيهِ تَبَعًا لِلنَّفْسِ كَالدِّيَةِ قَالَ: فَإِنْ عَفَا وَلِيُّ الْقَتِيلِ عَلَى دِيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَأَهْلُ الْجِرَاحِ عَلَى حُقُوقِهِمْ مِنْ الْقَوَدِ فِي جِرَاحِهِمْ، وَهُوَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَتَلَ رَجُلَيْنِ فَعَفَا وَلِيُّ أَحَدِهِمَا لَكِنْ لِوَلِيِّ الْآخَرِ الْقَتْلُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا، ثُمَّ أَصَابَ آخَرَ خَطَأً بِقَتْلٍ أَوْ جَرْحٍ فَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْعَمْدُ قَبْلَ الْخَطَأِ أَوْ الْخَطَأُ قَبْلَ الْعَمْدِ أَنَّ الْخَطَأَ وَاجِبٌ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَيُقْتَلُ بِالْعَمْدِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: وَلَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ خَطَأً ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا لَقُتِلَ بِهِ، وَدِيَةُ الْيَدِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْخَطَأَ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِرَقَبَتِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَالٌ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَمِ الْعَاقِلَةِ، وَالْعَمْدُ مُتَعَلِّقٌ بِنَفْسِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَتَدَاخَلَا لِمَا كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَكَانَ مَحِلُّ أَحَدِهِمَا غَيْرَ مَحِلِّ الْآخَرِ.

(ش) : قَوْلُهُ: الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ يُقْتَلُ فِي الْعَمْدِ الرِّجَالُ الْأَحْرَارُ بِالرَّجُلِ الْحُرِّ الْوَاحِدِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ إذَا تَكَافَئُوا فِي الْحُرْمَةِ، وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ بِالْمَرْأَةِ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ النِّسَاءُ بِالرَّجُلِ وَلَا الرِّجَالُ بِالْمَرْأَةِ بَلْ حُكْمُ ذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّ مَنْ قَتَلَ وَاحِدَهُمْ بِوَاحِدٍ قُتِلَ جَمِيعُهُمْ بِهِ، وَلَمَّا كَانَتْ الْمَرْأَةُ تُقْتَلُ بِالرَّجُلِ قُتِلَ النِّسَاءُ بِالرَّجُلِ، وَلَمَّا كَانَ الرَّجُلُ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ فَكَذَلِكَ تُقْتَلُ جَمَاعَةُ الرِّجَالِ بِالْمَرْأَةِ، وَحُكْمُ الْعَبِيدِ كَذَلِكَ يُقْتَلُ الْعَبِيدُ بِالْعَبْدِ، وَيُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ وَلَا يُقْتَلُ الْأَحْرَارُ بِالْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلِ]

(ش) : وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ السَّكْرَانَ إذَا قَصَدَ إلَى الْقَتْلِ قُتِلَ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى مَعَهُ مِنْ الْمَيْزِ مَا يَثْبُتُ بِهِ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَسَائِرُ الْحُقُوقِ، وَلَوْ بَلَغَ حَدَّ الْإِغْمَاءِ الَّذِي لَا يَصِحُّ مَعَهُ قَصْدٌ وَلَا فِعْلٌ لَكَانَتْ جِنَايَتُهُ كَجِنَايَةِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالنَّائِمِ، وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُقَادُ مِنْ السَّكْرَانِ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ يُرِيدُ الْجُنُونَ الْمُطْبِقَ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ ابْنَ سَنَةٍ وَنِصْفٍ وَنَحْوِهَا فَهَذَانِ مَا أَفْسَدَا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ هَدَرٌ، وَلَا يُتَّبَعُ بِهِ أَحَدٌ مِثْلُ أَنْ يُشْعِلَ الْمَجْنُونُ نَارًا فِي بَيْتٍ أَوْ يَهْدِمَ بَيْتًا أَوْ يَكْسِرَ آنِيَةً، أَوْ يَكْسِرَ الصَّبِيُّ لُؤْلُؤَةً أَوْ يُلْقِيَ جَوْهَرًا فِي النَّارِ فَذَلِكَ هَدَرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>