للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَفْوُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ (ص) : (يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَدْرَكَ مَنْ يَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ فِي الرَّجُلِ إذَا أَوْصَى أَنْ يُعْفَى عَنْ قَاتِلِهِ إذَا قُتِلَ عَمْدًا أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ، وَأَنَّهُ أَوْلَى بِدَمِهِ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ أَوْلِيَائِهِ بَعْدَهُ) .

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَعْفُو عَنْ قَتْلِ الْعَمْدِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَحِقَّهُ وَيَجِبَ لَهُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْقَاتِلِ عَقْلٌ يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي عَفَا عَنْهُ اشْتَرَطَ ذَلِكَ عِنْدَ الْعَفْوِ) .

ــ

[المنتقى]

[الْعَفْوُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ]

(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ الْمَقْتُولَ عَمْدًا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَمَّنْ قَتَلَهُ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَجْرَحَهُ جُرْحًا أَنْفَذَ بِهِ مَقَاتِلَهُ وَتَبْقَى حَيَاتُهُ فَيَعْفُوَ عَنْهُ فَإِنَّ عَفْوَهُ جَائِزٌ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ إلَّا فِي قَتْلِ الْغِيلَةِ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَلَا قَوْلَ فِي ذَلِكَ لِوَلَدِهِ وَلَا لِغُرَمَائِهِ، وَإِنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ أَوْصَى أَنْ تُقْبَلَ الدِّيَةُ مِنْ قَاتِلِهِ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَنْ قُتِلَ عَمْدًا فَأَوْصَى أَنْ تُقْبَلَ الدِّيَةُ وَأَوْصَى بِوَصَايَا أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَوَصَايَاهُ فِي دِيَتِهِ وَمَالِهِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَتْلَ قَدْ وُجِدَ مِنْ قِبَلِ الْقَاتِلِ فَكَانَ حَقًّا مِنْ حُقُوقِ الْقَتِيلِ، فَلَمَّا جَازَ عَفْوُهُ عَلَى الدِّيَةِ صَارَ مَالًا فَتَعَلَّقَتْ بِهِ وَصَايَاهُ، وَلَوْ أَوْصَى بِدِيَتِهِ لِإِنْسَانٍ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرَهَا فَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ إلَّا ثُلُثُهَا.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ أَشْهَدَ لِرَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَهُ فَقَدْ وَهَبَ دَمَهُ فَقَتَلَهُ فَقَدْ رَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ اخْتَلَفَ فِيهَا أَصْحَابُنَا، وَأَحْسَنُ مَا رَأَيْت أَنْ يُقْتَلَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَفَا عَنْ شَيْءٍ قَبْلَ أَنْ يَجِبَ، وَإِنَّمَا وَجَبَ لِأَوْلِيَائِهِ بِخِلَافِ عَفْوِهِ عَنْهُ بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي قَطْعِ يَدِهِ فَفَعَلَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِقَتْلِ عَبْدِهِ فَفَعَلَ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِحُرْمَةِ الْقَتْلِ كَمَا يَلْزَمُهُ دِيَةُ الْحُرِّ إذَا قَتَلَهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ فَفَقَأَ عَيْنَهُ، وَيَلْزَمُ الْآمِرَ وَالْمَأْمُورَ ضَرْبُ مِائَةٍ وَحَبْسُ سَنَةٍ، وَرَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ.

(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا أَطْلَقَ الْعَفْوَ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، ثُمَّ قَالَ إنَّمَا عَفَوْت عَنْ الدِّيَةِ فَقَدْ رَوَى مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ مَا عَفَا فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ طَالَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ وَقَوْلُهُ فَذَلِكَ لَهُ يُرِيدُ أَنَّ شَرْطَهُ فِي ذَلِكَ ثَابِتٌ، وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ شَرَطَهُ فِي عَفْوِهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ أَوْ قَالَ لَمْ أُرِدْهُ حِينَ الْعَفْوِ وَلَوْ شَرَطَ الدِّيَةَ عِنْدَ الْعَفْوِ لَمْ تَكُنْ لَهُ مُطَالَبَةٌ بِالدِّيَةِ، وَقَدْ لَزِمَهُ مَا أَطْلَقَ مِنْ الْعَفْوِ، وَلَوْ شَرَطَ الدِّيَةَ عِنْدَ الْعَفْوِ وَلَمْ يَلْزَمْهُ الْعَفْوُ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي شَرَطَ فَإِنْ رَضِيَ بِذَلِكَ الْقَاتِلُ ثَبَتَ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا، وَتَقَرَّرَ ثُبُوتُ الدِّيَةِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ، وَإِنْ أَبَى ذَلِكَ الْقَاتِلُ فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى أَدَاءِ الدِّيَةِ أَمْ لَا عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّ الْوَاجِبَ بِقَتْلِ الْعَمْدِ الْقَوَدُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو الزِّنَادِ وَالثَّانِيَةُ يُخَيَّرُ الْوَلِيُّ بَيْنَ الْقَوَدِ وَالدِّيَةِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَشْهَبَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ هَذَا مَعْنًى يُوجِبُ الْقَتْلَ فَلَمْ تَجِبْ بِهِ الدِّيَةُ، أَصْلُ ذَلِكَ الزِّنَا وَالرِّدَّةُ، وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ هَذَا وَلِيٌّ ثَبَتَ لَهُ الْقَوَدُ فَجَازَ لَهُ أَخْذُ الدِّيَةِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْقَاتِلِ أَصْلُ ذَلِكَ إذَا عَفَا بَعْضُ الْوَرَثَةِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الْجِرَاحُ فَإِنْ أَرَادَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ الدِّيَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِاخْتِيَارِ الْجَانِي، قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَمْ يَخْتَلِفْ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْجَارِحَ يُرِيدُ اسْتِيفَاءَ الْمَالِ لِنَفْسِهِ، وَالْقَاتِلَ لَا يُرِيدُ اسْتِيفَاءَهُ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قُتِلَ قِصَاصًا تَرَكَ الْمَالَ لِغَيْرِهِ، قَالَ أَشْهَبُ فَهُوَ مُضَارٌّ بِامْتِنَاعِهِ مِنْ الدِّيَةِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِذَا عَفَا بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ عَنْ الدَّمِ لَمْ يُمْكِنْ الْقِصَاصُ، وَلَزِمَ الْقَاتِلَ مِنْ الدِّيَةِ حِصَّةُ مَنْ لَمْ يَعْفُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا خِلَافَ فِيهِ.

وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ لَمْ أَسْمَعْ فِي الْجِرَاحِ أَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ مُخَيَّرٌ إلَّا فِي الصَّحِيحِ يَفْقَأُ عَيْنَ الْأَعْوَرِ أَوْ الْأَعْوَرُ يَفْقَأُ عَيْنَ الصَّحِيحِ، أَوْ الْعَبِيدُ يَجْرَحُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَوْ الْكَبِيرُ يَجْرَحُ الصَّغِيرَ فَإِنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>