للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَاعِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا اللَّهُمَّ إنَّ إبْرَاهِيمَ عَبْدُك وَخَلِيلُك وَنَبِيُّك، وَإِنِّي عَبْدُك وَنَبِيُّك وَإِنَّهُ دَعَا لِمَكَّةَ وَإِنِّي أَدْعُوك لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا دَعَاك بِهِ لِمَكَّةَ وَمِثْلِهِ مَعَهُ، ثُمَّ يَدْعُو أَصْغَرَ وَلِيدٍ رَآهُ فَيُعْطِيهِ ذَلِكَ الثَّمَرَ» ) .

مَا جَاءَ فِي سُكْنَى الْمَدِينَةِ وَالْخُرُوجِ مِنْهَا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ قَطَنِ بْنِ وَهْبِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ الْأَجْدَعِ أَنَّ يُحَنَّسَ مَوْلَى الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَامّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي الْفِتْنَةِ فَأَتَتْهُ مَوْلَاةٌ لَهُ تُسَلِّمُ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ: إنِّي أَرَدْت الْخُرُوجَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ اشْتَدَّ عَلَيْنَا الزَّمَانُ فَقَالَ لَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: اُقْعُدِي لُكَعُ إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا يَصْبِرُ عَلَى لَأْوَائِهَا وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ إلَّا كُنْت لَهُ شَفِيعًا وَشَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» )

ــ

[المنتقى]

صَاعِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا اللَّهُمَّ إنَّ إبْرَاهِيمَ عَبْدُك وَخَلِيلُك وَنَبِيُّك، وَإِنِّي عَبْدُك وَنَبِيُّك وَإِنَّهُ دَعَا لِمَكَّةَ وَإِنِّي أَدْعُوك لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا دَعَاك بِهِ لِمَكَّةَ وَمِثْلِهِ مَعَهُ، ثُمَّ يَدْعُو أَصْغَرَ وَلِيدٍ رَآهُ فَيُعْطِيهِ ذَلِكَ الثَّمَرَ» ) .

(ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ النَّاسُ إذَا رَأَوْا أَوَّلَ الثَّمَرِ يُرِيدُ أَوَّلَ ثَمَرِ النَّخْلِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ مَقْصُودُ ثِمَارِهِمْ أَتَوْا بِهِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَبَرُّكًا بِدُعَائِهِ وَإِعْلَامًا لَهُ بِبُدُوِّ صَلَاحِ الثِّمَارِ إمَّا لِمَا كَانَ يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ إرْسَالِ الْخَرَّاصِ إلَى ثِمَارِهِمْ لِيَسْتَحِلُّوا أَكْلَهَا وَبَيْعَهَا وَالتَّصَرُّفَ فِيهَا، وَإِمَّا لِيُعْلِمُوهُ جَوَازَ بَيْعِ ثِمَارِهِمْ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِهَا قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَإِذَا أَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي ثَمَرِنَا» يُرِيدُ أَخَذَهُ لِيَنْظُرَ إلَيْهِ وَيَدْعُوَ لَهُمْ فِيهِ، ثُمَّ دَعَا لَهُمْ مَعَ ذَلِكَ فِي مَدِينَتِهِمْ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَرَافِقِهَا وَمَنَافِعِهَا.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللَّهُمَّ إنَّ إبْرَاهِيمَ عَبْدُك وَخَلِيلُك وَنَبِيُّك وَإِنِّي عَبْدُك وَنَبِيُّك» يُرِيدُ إظْهَارَ وَسِيلَتِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَذِكْرَ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ كَمَا أَنْعَمَ عَلَى إبْرَاهِيمَ، ثُمَّ قَالَ وَإِنَّ إبْرَاهِيمَ دَعَا لِمَكَّةَ يُرِيدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [البقرة: ١٢٦] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَإِنِّي أَدْعُوك لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا دَعَاك بِهِ لِمَكَّةَ» وَمِثْلِهِ مَعَهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ قَالَ: لِأَنَّ تَضْعِيفَ الدُّعَاءِ لَهَا إنَّمَا هُوَ لِفَضْلِهَا عَلَى مَا قَصَرَ عَنْهَا، قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ وَجْهَ الدَّلِيلِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَعَا لِأَهْلِ مَكَّةَ بِمَا يَخْتَصُّ بِدُنْيَاهُمْ فَقَالَ وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ وَقَالَ وَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَمِثْلِهِ مَعَهُ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ وَبِدُعَاءٍ آخَرَ مَعَهُ وَهُوَ لِأَمْرِ آخِرَتِهِمْ فَتَكُونُ الْحَسَنَاتُ تُضَاعَفُ لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا تُضَاعَفُ بِمَكَّةَ، وَإِنَّمَا مَعْنَى فَضِيلَةِ إحْدَى الْبُقْعَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى فِي تَضْعِيفِ الْحَسَنَاتِ وَغُفْرَانِ السَّيِّئَاتِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ إبْرَاهِيمَ أَيْضًا دَعَا لِأَهْلِ مَكَّةَ بِأَمْرِ آخِرَتِهِمْ، وَعَلِمَ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِ ذَلِكَ وَبِمِثْلِهِ مَعَهُ فَيَعُودُ إلَى مِثْلِ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا لِأَهْلِ مَكَّةَ فِي ثَمَرَاتِهِمْ بِبَرَكَةٍ قَدْ أَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ فِيهِ، وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي ثَمَرَاتِهِمْ أَيْضًا بِمِثْلِ ذَلِكَ وَمِثْلِهِ مَعَهُ فَلَا يَكُونُ هَذَا دَلِيلًا عَلَى فَضْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَكَّةَ فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْبَرَكَةَ فِي ثِمَارِهِمْ مِثْلُ الْبَرَكَةِ فِي ثِمَارِ مَكَّةَ إمَّا لِقُرْبِ تَنَاوُلِهَا أَوْ لِكَثْرَتِهَا أَوْ لِفَضْلِهَا أَوْ لِلْبَرَكَةِ فِي الِاقْتِيَاتِ بِهَا، أَوْ لِيُوصَلَ مَنْ يَقْتَاتُ بِهَا مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مِثْلَيْ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ مَنْ يَقْتَاتُ فِي مَكَّةَ بِثِمَارِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ ثُمَّ يَدْعُو أَصْغَرَ وَلِيدٍ يَرَاهُ فَيُعْطِيهِ ذَلِكَ الثَّمَرَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ عِظَمَ الْأَجْرِ فِي إدْخَالِ الْمَسَرَّةِ عَلَى مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ لِصِغَرِهِ، فَإِنَّ سُرُورَ ذَلِكَ بِهِ أَعْظَمُ مِنْ سُرُورِ الْكَبِيرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

[مَا جَاءَ فِي سُكْنَى الْمَدِينَةِ وَالْخُرُوجِ مِنْهَا]

(ش) : قَوْلُ الْمَرْأَةِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنِّي أَرَدْت الْخُرُوجَ تُرِيدُ مِنْ الْمَدِينَةِ، وَقَوْلُهَا اشْتَدَّ عَلَيْهَا الزَّمَانُ تُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِقِلَّةِ الْأَقْوَاتِ وَلِضِيقِ التَّصَرُّفِ بِهَا مِنْ أَجْلِ الْفِتْنَةِ، وَلَعَلَّهُ قَدْ اقْتَرَنَ بِذَلِكَ مِنْ مَنْعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>