للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّهْيُ عَنْ الْقَوْلِ بِالْقَدَرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «تَحَاجَّ آدَم وَمُوسَى فَحَجَّ آدَم مُوسَى قَالَ لَهُ مُوسَى أَنْتَ آدَم الَّذِي أَغْوَيْت النَّاسَ وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ فَقَالَ لَهُ آدَم أَنْتَ مُوسَى الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ، وَاصْطَفَاهُ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَتِهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَفَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ» ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ «عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: ١٧٢] فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسْأَلُ عَنْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَلَقَ آدَمَ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ بِيَمِينِهِ حَتَّى اسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً، فَقَالَ خَلَقْت هَؤُلَاءِ لِلْجَنَّةِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَعْمَلُونَ ثُمَّ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً فَقَالَ خَلَقْت هَؤُلَاءِ لِلنَّارِ وَبِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ يَعْمَلُونَ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَفِيمَ الْعَمَلُ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ اللَّهَ إذَا خَلَقَ الْعَبْدَ لِلْجَنَّةِ

ــ

[المنتقى]

[النَّهْيُ عَنْ الْقَوْلِ بِالْقَدَرِ]

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَحَاجَّ آدَم وَمُوسَى» يَقْتَضِي صِحَّةَ جَوَازِ الْمُحَاجَّةِ لَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ شَرِيعَةَ مَنْ قَبْلَنَا شَرِيعَةٌ لَنَا وَقَوْلُ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِآدَمَ أَنْتَ الَّذِي أَغْوَيْت النَّاسَ وَأَخْرَجْتهمْ مِنْ الْجَنَّةِ مَعْنَى أَغْوَيْت، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ عَرَّضْتَهُمْ لِلْإِغْوَاءِ لَمَّا كُنْت سَبَبَ خُرُوجِهِمْ مِنْ الْجَنَّةِ وَتَعْرِيضِهِمْ لِلتَّكْلِيفِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ جَعَلْتهمْ غَاوِينَ لِكَوْنِهِمْ مِنْ ذُرِّيَّتِك حِينَ غَوَيْت مِنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: ١٢١] وَقَوْلُ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَهُ أَنْتَ مُوسَى الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ يُرِيدُ أَعْلَمَهُ بِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مِمَّا أَعْلَمَ بِهِ الْبَشَرَ، وَقَوْلُهُ وَاصْطَفَاهُ عَلَى النَّاسِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ آثَرَهُ بِإِرْسَالِهِ عَلَى مَنْ لَمْ يُرْسِلْهُ، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى وَجْهِ التَّقْرِيرِ لَهُ عَلَى فَضْلِهِ الَّذِي لَا يَقْتَضِي الْإِصَابَةَ فِي مُحَاجَّتِهِ، وَأَنْ لَا يَلُومَ أَبَاهُ عَلَى مَا يَعِي وَاسِعُ عِلْمِهِ وَفَضْلِهِ، وَلَوْمُهُ عَلَيْهِ فَلَمَّا قَالَ مُوسَى نَعَمْ لَزِمَهُ ذَلِكَ بِحُكْمِ الْمُنَاظَرَةِ وَالْمُحَاجَّةِ لَا عَلَى وَجْهِ الْفَخْرِ وَالْمُبَاهَاةِ.

وَقَالَ لَهُ آدَم أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ بِمَعْنَى أَنَّ لَوْمَك لِي عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ سَائِغٍ، وَلِذَلِكَ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «فَحَجَّ آدَم مُوسَى مَعْنَاهُ ظَهَرَ عَلَيْهِ فِي الْحُجَّةِ» وَاحْتِجَاجُ آدَمَ بِالْقَدَرِ عَلَى نَفْيِ اللَّوْمِ عَنْهُ يَجِبُ أَنْ يُبَيَّنَ، فَإِنَّ الْعَاصِيَ إذَا عَصَى يَسْتَحِقُّ اللَّوْمَ، وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ قُدِّرَتْ عَلَيْهِ الْمَعْصِيَةُ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ وَلَا حُجَّةَ لَهُ عَلَى مَنْ لَامَهُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ بِأَنْ يَقُولَ إنَّ ذَلِكَ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ، وَلَوْ كَانَ هَذَا بِمُجَرَّدِهِ حُجَّةً لَمَا وَجَبَ أَنْ يُلَامَ أَحَدٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ وَلَا يُنْكَرَ عَلَيْهِ وَلَا يُتَوَعَّدَ عَلَيْهَا بِعَذَابٍ فِي دُنْيَا وَلَا آخِرَةٍ، وَلَكِنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا أَنْكَرَ عَلَى مُوسَى أَنْ لَامَهُ فَقَالَ أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِّرَ عَلَيَّ وَآدَمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ كَانَ تَابَ مِنْ مَعْصِيَتِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: ١٢١] {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه: ١٢٢] التَّائِبُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ إذَا تَابَ وَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ فَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُلَامَ عَلَيْهِ.

وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ آدَمَ أَبٌ لِمُوسَى وَلَمْ يَسُغْ لِلِابْنِ لَوْمَ أَبِيهِ فِي مَعْصِيَتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: ١٥] ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَبِيهِ لَمَّا امْتَنَعَ مِنْ الْإِيمَانِ {سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [مريم: ٤٧] فَهَذَا بَيَّنَ حُجَّةَ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>