للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا جَاءَ فِي الْغَضَبِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ أَعِيشُ بِهِنَّ وَلَا تُكْثِرْ عَلَيَّ فَأَنْسَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَغْضَبْ» مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» ) .

ــ

[المنتقى]

عَلَى وَجْهِهَا وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ يُرِيدُ لَامَهُ عَلَى كَثْرَةِ الْحَيَاءِ يَقُولُ لَهُ إنَّك لَتَسْتَحْيِي حَتَّى قَدْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِك، وَمَنَعَك مِنْ بُلُوغِ حَاجَتِك، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَعْهُ» يُرِيدُ الْإِمْسَاكَ عَنْ وَعْظِهِ فِي ذَلِكَ «فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الْإِيمَانِ» ، يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مِنْ شَرَائِعِ الْإِيمَانِ، وَلِذَلِكَ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنْ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا» ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ مُرَافِقٌ لِلْإِيمَانِ كَمَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْتَ مِنِّي» .

[مَا جَاءَ فِي الْغَضَبِ]

(ش) : قَوْلُ السَّائِلِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ أَعِيشُ بِهِنَّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنْتَفِعُ بِهَا مُدَّةَ عَيْشِي، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى عَيْشِي، وَلَا تُكْثِرُ عَلَيَّ فَأَنْسَى، وَلَعَلَّهُ عَرَفَ مِنْ نَفْسِهِ قِلَّةَ الْحِفْظِ فَأَرَادَ الِاخْتِصَارَ الَّذِي يَحْفَظُهُ وَلَا يَنْسَاهُ فَجَمَعَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخَيْرَ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ فَقَالَ لَهُ «لَا تَغْضَبْ» وَمَعْنَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْغَضَبَ يُفْسِدُ كَثِيرًا مِنْ الدِّينِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يُؤْذِيَ وَيُؤْذَى، وَأَنْ يَأْتِيَ فِي وَقْتِ غَضَبِهِ مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ مَا يَأْثَمُ بِهِ وَيُؤْثِمُ غَيْرَهُ وَيُؤَدِّي الْغَصْبُ إلَى الْبِغْضَةِ الَّتِي قُلْنَا إنَّهَا الْحَالِقَةُ وَالْغَضَبُ أَيْضًا يَمْنَعُهُ كَثِيرًا مِنْ مَنَافِعِ دُنْيَاهُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَغْضَبْ» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَا تُمْضِ مَا يَبْعَثُك عَلَيْهِ غَضَبُك وَامْتَنِعْ مِنْهُ وَكُفَّ عَنْهُ، وَأَمَّا نَفْسُ الْغَضَبِ فَلَا يَمْلِكُ الْإِنْسَانُ دَفْعَهُ، وَإِنَّمَا يَدْفَعُ مَا يَدْعُوهُ إلَيْهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّهُ قَالَ لَسْتُ بِحَلِيمٍ وَلَكِنِّي أَتَحَالَمُ.

(فَرْعٌ) وَإِنَّمَا أَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْتِنَاعَهُ مِنْ الْغَضَبِ فِي مَعَانِي دُنْيَاهُ وَمُعَامَلَتِهِ، وَأَمَّا فِيمَا يُعَادُ إلَى الْقِيَامِ بِالْحَقِّ فَالْغَضَبُ فِيهِ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا وَهُوَ الْغَضَبُ عَلَى الْكُفَّارِ وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِمْ بِالْجِهَادِ وَكَذَلِكَ الْغَضَبُ عَلَى أَهْلِ الْبَاطِلِ وَإِنْكَارُهُ عَلَيْهِمْ بِمَا يَجُوزُ.

وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا إلَيْهِ، وَهُوَ الْغَضَبُ عَلَى الْمُخْطِئِ إذَا عَلِمْت أَنَّ فِي إبْدَاءِ غَضَبِك عَلَيْهِ رَدْعًا لَهُ وَبَاعِثًا عَلَى الْحَقِّ.

وَقَدْ رَوَى زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ غَضِبَ حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ أَوْ احْمَرَّ وَجْهُهُ» «وَقَالَ مَالِكٌ وَلَهَا وَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا شَكَا إلَيْهِ رَجُلٌ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَنَّهُ يُطَوِّلُ بِهِمْ فِي الصَّلَاةِ» ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الَّذِي قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَغْضَبْ» قَدْ عَلِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ كَثِيرَ الْغَضَبِ قَلِيلَ الْمِلْكِ لِنَفْسِهِ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ مَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهِ نَقْصٌ فِي دِينِهِ وَحَالِهِ مِنْ جِهَةِ الْغَضَبِ فَخَصَّهُ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ» الصُّرَعَةُ الَّذِي يَصْرَعُ النَّاسَ وَيَكْثُرُ مِنْهُ ذَلِكَ كَمَا يُقَالُ لِلَّذِي يَكْثُرُ مِنْهُ الضَّحِكُ ضُحَكَةً، وَاَلَّذِي يَكْثُرُ مِنْهُ النَّوْمُ نُوَمَةً فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ» لَمْ يُرِدْ نَفْيَ الشِّدَّةِ عَنْ الصُّرَعَةِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ شِدَّتَهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَحَدَ أَمْرَيْنِ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ بِالنِّهَايَةِ فِي الشِّدَّةِ وَأَشَدُّ مِنْهُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>