للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا جَاءَ فِي الْمُهَاجَرَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ» ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ» قَالَ مَالِكٌ لَا أُحِبُّ التَّدَابُرَ إلَّا الْإِعْرَاضَ عَنْ أَخِيكَ الْمُسْلِمِ فَتُدْبِرُ عَنْهُ بِوَجْهِك مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَنَافَسُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا» ) .

ــ

[المنتقى]

عِنْدَ الْغَضَبِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهَا شِدَّةٌ لَيْسَ لَهَا كَثِيرُ مَنْفَعَةٍ، وَإِنَّمَا الشِّدَّةُ الَّتِي يُنْتَفَعُ بِهَا الشِّدَّةُ الَّتِي يَمْلِكُ بِهَا نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَلِهَذَا يُقَالُ لَا كَرِيمَ إلَّا يُوسُفُ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ نَفْيَ الْكَرَمِ عَنْ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِهِ إثْبَاتَ مَزِيَّةٍ لَهُ فِي الْكَرَمِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ لَا سَيْفَ إلَّا ذُو الْفَقَارِ وَلَا شُجَاعَ إلَّا عَلِيٌّ، وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَنُدِبَ بِهَذَا إلَى مِلْكِ الرَّجُلِ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ عَنْ إمْضَاءِ مَا يَقْتَضِيهِ الْغَضَبُ مِنْ أَذَى مَنْ يَمْلِكُ أَذَاهُ أَوْ مُنَازَعَةِ مَنْ يُنَازِعُهُ.

وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى: ٣٧] وَقَالَ تَعَالَى {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: ١٣٤] .

[مَا جَاءَ فِي الْمُهَاجَرَةِ]

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ» نَصٌّ فِي الْمَنْعِ مِمَّا زَادَ عَلَى ثَلَاثِ لَيَالٍ، وَأَمَّا الثَّلَاثُ لَيَالٍ فَمَنْ قَالَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ اقْتَضَى ذَلِكَ عِنْدَهُ إبَاحَةَ الْهِجْرَةِ فِيهَا، وَمَنْ مَنَعَ دَلِيلَ الْخِطَابِ احْتَمَلَ ذَلِكَ الْإِبَاحَةَ مِنْ غَيْرِ دَلِيلِ الْخِطَابِ، وَهُوَ أَنَّهُ قَصَدَ إلَى تَقْدِيرِ الْمَنْعِ، وَأَمَّا مَا قَصَرَ عَنْهُ فِي حُكْمِ الْمُبَاحِ إذْ لَا يَخْلُو النَّاسُ مِنْ يَسِيرِ الْمُهَاجَرَةِ وَقْتَ الْغَضَبِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ نَصٌّ عَلَى مَنْعِهِ وَنَفْيُ الْبَاقِي يُطْلَبُ دَلِيلُ حُكْمِهِ فِي الشَّرْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُعْرِضُ عَنْ صَاحِبِهِ مُهَاجَرَةً لَهُ فَلَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَلَا يُكَلِّمُهُ فَهَذَا الْمِقْدَارُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ مِنْ الْمُهَاجَرَةِ، وَأَمَّا الْأَذَى فَلَا يَحِلُّ قَلِيلُهُ وَلَا كَثِيرُهُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا إذَا سَلَّمَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ إذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ وَلَا يُكَلِّمُهُ بِهَذَا الْمِقْدَارِ الَّذِي نَهَى عَنْهُ مِنْ الْمُهَاجَرَةِ فَقَدْ قَطَعَ الْهِجْرَةَ.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّةِ فِي الَّذِي يُسَلِّمُ عَلَى أَخِيهِ وَلَا يُكَلِّمُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ بَلْ يَجْتَنِبُ كَلَامَهُ إنْ كَانَ غَيْرَ مُؤْذٍ لَهُ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ الشَّحْنَاءِ، وَإِنْ كَانَ مُؤْذِيًا لَهُ فَلَا يَتَبَرَّأُ مِنْهُ، وَهَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ «الْحَدِيثُ وَفِيهِ خَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ» فَلَوْلَا أَنَّ السَّلَامَ يَقْطَعُ الْهِجْرَةَ لَمَا كَانَ أَفْضَلُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يُؤْذِيهِ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ الْهِجْرَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى مِنْ الْمُوَاصَلَةِ بِمَا لَا أَذًى فِيهِ، وَإِنْ كَانَ يُؤْذِيهِ فَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ الْمُهَاجَرَةِ؛ لِأَنَّ الْأَذَى أَشَدُّ مِنْ الْمُهَاجَرَةِ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ ابْنِ كِنَانَةَ عَنْ مَالِكٍ الْهِجْرَةُ مِنْ الْغِلِّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِذَا اعْتَزَلَ كَلَامَهُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُؤْذٍ لَهُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَكْثَرُ ثَوَابًا؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَبْدَأُ بِالْمُوَاصَلَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا وَتَرْكِ الْمُهَاجَرَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا مَعَ أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِهَا أَشَدُّ مِنْ الْمُسَاعَدَةِ عَلَيْهَا.

(ش) : قَوْلُهُ «لَا تَبَاغَضُوا» عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ نَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْبِغْضَةِ، وَهُوَ أَنْ يَبْغُضَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>