للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا جَاءَ فِي أَجْرِ الْمَرِيضِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ بَعَثَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إلَيْهِ مَلَكَيْنِ فَقَالَ: اُنْظُرَا مَاذَا يَقُولُ لِعُوَّادِهِ فَإِنْ هُوَ إذَا جَاءُوهُ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ رَفَعَا ذَلِكَ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَعْلَمُ فَيَقُولُ: لِعَبْدِي عَلَيَّ إنْ تَوَفَّيْتُهُ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَإِنْ أَنَا شَفَيْتُهُ أَنْ أُبَدِّلَ لَهُ لَحْمًا خَيْرًا مِنْ لَحْمِهِ وَدَمًا خَيْرًا مِنْ دَمِهِ وَأَنْ أُكَفِّرَ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ» ) .

ــ

[المنتقى]

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ الْحَاضِنَةِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ تُسْرِعُ إلَيْهِمَا الْعَيْنُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِمَّا يُحْدِثُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ مُعَايَنَةِ الْعَائِنِ لِلْمَعِينِ وَقَوْلُهُ مَا يَقُولُ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ لَهُ، أَوْ التَّعَجُّبِ مِنْهُ دُونَ أَنْ يُبَرِّكَ كَمَا يُحْدِثُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمَرَضَ عِنْدَ تَنَاوُلِ الْإِنْسَانِ مِنْ الْأَغْذِيَةِ وَقَدْ أَجْرَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْعَادَةَ بِأَنْ يَبْرَأَ مِنْ ذَلِكَ بِالِاسْتِرْقَاءِ كَمَا أَجْرَى الْعَادَةَ بِأَنْ يَبْرَأَ مِنْ الْأَدْوَاءِ الْمَخْصُوصَةِ بِأَدْوِيَةٍ مَخْصُوصَةٍ.

وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتَرْقُوا لَهُمَا وَلَمْ يَأْمُرْ بِالِاغْتِسَالِ؛ لِأَنَّ الِاغْتِسَالَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ الْعَائِنُ مَعْرُوفًا وَأَمَّا إذَا كَانَ مَجْهُولًا فَلَا سَبِيلَ إلَى أَنْ يُخَصَّ أَحَدٌ بِالِاغْتِسَالِ وَإِنَّمَا يَذْهَبُ أَذَاهُ بِالرُّقْيَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَكِتَابِهِ وَذِكْرِهِ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ هَذَا الْحَدِيثُ.

وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الرُّقَى حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَلُدِغَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ كَانَ آلُ حَزْمٍ يَرْقَوْنَ مِنْ الْحُمَّةِ فَلَمَّا نَهَيْتَ عَنْ الرُّقَى تَرَكُوهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اُدْعُوا إلَيَّ عُمَارَةَ فَقَالَ: اعْرِضْ عَلَيَّ رُقْيَتَكَ فَعَرَضَهَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرَ بِهَا بَأْسًا وَأَذِنَ لَهُمْ فِيهَا» فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَمْنُوعَةً، ثُمَّ نُسِخَ الْمَنْعُ بِالْإِبَاحَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا مُنِعَ مِنْهَا مَا كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْكُفْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتُّوَلَةَ شِرْكٌ فَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُمَا أَنَّهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ النَّهْيِ وَلَمْ يَعْرِفَا النَّسْخَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمَا أَرَادَا بِذَلِكَ الرُّقَى بِقَوْلٍ يَتَضَمَّنُ الْكُفْرَ.

وَقَدْ رَوَى «عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ كُنَّا نُرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ فَقَالَ: اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ فَلَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ» وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَرْقِي وَيَنْشُرُ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ بِالْكَلَامِ الطَّيِّبِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا رُقْيَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ فَكَرِهَهَا مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ لَا أَكْرَهُ رُقْيَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَأَخَذَ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذْ قَالَ لِلْيَهُودِيَّةِ: أَرْقِهَا بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَمْ يَأْخُذْ بِكَرَاهِيَةِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَرْقِيَ الرَّاقِي وَبِيَدِهِ الْحَدِيدَةُ، أَوْ الْمِلْحُ، وَالْعَقْدُ فِي الْخَيْطِ أَعْظَمُ كَرَاهِيَةً عِنْدَهُ.

وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَرِهَ الْحَدِيدَةَ وَالْمِلْحَ، وَالْعَقْدُ فِي الْخَيْطِ أَشَدُّ كَرَاهِيَةً وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ وَجْهُ مَنْفَعَتِهِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ لِمَا يُضَافُ إلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَأَمَّا الشَّيْءُ يُنْجَمُ فَيُجْعَلُ عَلَيْهِ حَدِيدَةٌ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا وَأَنَّهُ لَيَقَعُ فِي قَلْبِي أَنَّ التَّنْجِيمَ لِطُولِ اللَّيْلِ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ سَبَقَ الْقَدَرَ شَيْءٌ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَسْبِقُ الْقَدَرَ شَيْءٌ وَأَنَّهُ مِمَّا قَدَّرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى مَا قَدَّرَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَكِنْ لَمَّا كَانَ تَأْثِيرُ الْعَيْنِ تَأْثِيرًا مُتَوَالِيًا بَيِّنًا قَالَ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا الْقَوْلَ عَلَى مَعْنَى الْمُبَالَغَةِ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَا جَاءَ فِي أَجْرِ الْمَرِيضِ]

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ مَعْنَاهُ عِنْدِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا} [الإنسان: ٦] يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ قَالَ: بَعَثَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إلَيْهِ مَلَكَيْنِ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُمَا مَلَكَانِ لَا يَكُونَانِ مَعَهُ فِي غَيْرِ حِينِ الْمَرَضِ لِأَنَّهُمَا مَخْصُوصَانِ بِحِفْظِ مَا يَقُولُ لِلْعُوَّادِ؛ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>