للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا جَاءَ فِي صِفَةِ جَهَنَّمَ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «نَارُ بَنِي آدَمَ الَّتِي يُوقِدُونَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً قَالَ إنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا» مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ أَتَرَوْنَهَا حَمْرَاءُ كَنَارِكُمْ هَذِهِ لَهِيَ أَسْوَدُ مِنْ الْقَارِ وَالْقَارُ الزِّفْتُ)

ــ

[المنتقى]

هَذَا الشَّأْنَ وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَالِ وَغَيْرِهَا فَلَمَّا عَادَ الْكَلَامُ إلَى أَبِي عَلِيِّ بْنِ شَاذَانَ قَالَ لَهُ وَمَا زَعَمْت مِنْ أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» إنَّمَا هُوَ " صَدَقَةً " مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ وَأَنْتَ لَا تَمْنَعُ هَذَا الْحُكْمَ فِيمَا تَرَكَهُ الْأَنْبِيَاءُ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَأَنَا لَا أَعْلَمُ فَرْقًا بَيْنَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا تَرَكْنَا صَدَقَةً بِالنَّصْبِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ بِالرَّفْعِ.

وَلَا أَحْتَاجُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا شَكَّ عِنْدِي وَعِنْدَك أَنَّ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَأَرْضَاهَا مِنْ أَفْصَحِ الْعَرَبِ وَمِنْ أَعْلَمِهِمْ بِالْفَرْقِ بَيْنَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا تَرَكْنَا صَدَقَةً بِالنَّصْبِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ بِالرَّفْعِ، وَكَذَلِكَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ مِمَّنْ كَانَ يَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ لَوْ كَانَ مَوْرُوثًا وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَفْصَحِ قُرَيْشٍ وَأَعْلَمِهِمْ بِذَلِكَ، وَقَدْ طَلَبَتْ فَاطِمَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِيرَاثَهَا مِنْ أَبِيهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَاوَبَهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ بِهَذَا اللَّفْظِ عَلَى وَجْهٍ فَهِمَتْ مِنْهُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهَا فَانْصَرَفَتْ عَنْ الطَّلَبِ وَفَهِمَ ذَلِكَ الْعَبَّاسُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَمْ يَعْتَرِضْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِهَذَا الِاعْتِرَاضِ وَكَذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُحْتَجُّ بِهِ وَالْمُتَعَلَّقُ بِهِ لَا خِلَافَ أَنَّهُ مِنْ فُصَحَاءِ الْعَرَبِ الْعَالِمِينَ بِذَلِكَ لَمْ يُورِدْ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ إلَّا بِمَا يَقْتَضِي الْمَنْعَ وَلَوْ كَانَ اللَّفْظُ لَا يَقْتَضِي الْمَنْعَ لِمَا أَوْرَدَهُ وَلَا تَعَلَّقَ بِهِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِالنَّصْبِ يَقْتَضِي مَا يَقُولُهُ فَادِّعَاؤُك فِيمَا قُلْت بَاطِلٌ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الرَّفْعُ هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ فَهُوَ الْمَرْوِيُّ وَادِّعَاءُ النَّصْبِ فِيهِ بَاطِلٌ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَأَحْكَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا تَرَكْت بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمُؤْنَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ نَفَقَةَ نِسَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَابِتَةٌ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ إمَّا لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ أَزْوَاجِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ -؛ لِأَنَّهُنَّ مَحْبُوسَاتٌ عَلَيْهِ عَنْ النِّكَاحِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} [الأحزاب: ٥٣] لَازِمٌ لَهُنَّ عَلَى حَسْبِ مَا يَجِبُ لِغَيْرِهِنَّ مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ عَلَى وَجْهِ التَّفْضِيلِ لَهُنَّ لِعَدَمِ إيمَانِهِنَّ وَهِجْرَتِهِنَّ وَأَمَّا مُؤْنَةُ عَامِلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ كُلُّ عَامِلٍ يَعْمَلُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ خَلِيفَةٍ أَوْ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا هُوَ عَامِلٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِأُمَّتِهِ وَقَائِمٌ بِشَرْعِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكْفِيَ مُؤْنَتَهُ وَلَوْ ضَيَّعَ ذَلِكَ لِضَيَاعِ عِيَالِهِ، وَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ عَلِمَ قَوْمِي أَنَّ حِرْفَتِي لَمْ تَكُنْ تَعْجِزُ عَنْ مُؤْنَتِي وَمُؤْنَةِ عِيَالِي فَسَيَأْكُلُ آلُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَيُعْمَلُ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَأَحْكَمُ وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّ أَمْوَالَهُ الَّتِي خَصَّهُ اللَّهُ بِهَا يُخْرِجُ مِنْهَا نَفَقَةَ عِيَالِهِ وَمُؤْنَةَ الْعَامِلِ ثُمَّ يَكُونُ مَا بَقِيَ صَدَقَةً.

[مَا جَاءَ فِي صِفَةِ جَهَنَّمَ]

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ نَارَ بَنِي آدَمَ الَّتِي يُوقِدُونَ» تَخْصِيصٌ لَهَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ نَارَ جَهَنَّمَ لَا يُوقِدُهَا بَنُو آدَمَ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ حَرَارَتَهَا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّهَا جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - حَرُّهَا جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ نَارِ جَهَنَّمَ وَقَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَتَرَوْنَهَا حَمْرَاءَ كَنَارِكُمْ هَذِهِ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - كَنَارِ بَنِي آدَمَ ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>