للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَا جَاءَ فِي الدُّعَاءِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ يَدْعُو بِهَا فَأُرِيدُ أَنْ أَخْتَبِيَ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي فِي الْآخِرَةِ» ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ إذَا دَعَا اللَّهَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْت اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إنْ شِئْت لِيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّهُ لَا مُكْرِهَ لَهُ» ) .

ــ

[المنتقى]

ذَلِكَ الْوَقْتَ لِمَا عُلِمَ أَنَّهُ الْمُرَادُ لِأَنَّهُ اخْتَصَّ بِكَلَامٍ غَيْرِ مَعْهُودٍ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَدْ رَأَيْت بِضْعًا وَثَلَاثِينَ مَلَكًا الْبِضْعُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إلَى التِّسْعِ وَقَوْلُهُ يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلَ دَلِيلٌ عَلَى عَظِيمِ ثَوَابِهَا وَرِفْعَةِ دَرَجَةِ صَاحِبِهَا وَأَنَّ لِكَاتِبِهَا أَوَّلًا مَزِيَّةً وَإِنْ كَانَ جَمِيعُهُمْ يَكْتُبُهَا.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَمْ يَرَ الْعَمَلَ عَلَى هَذَا وَكَرِهَ أَنْ يَقُولَهَا الْمُصَلِّي.

وَوَجْهُ ذَلِكَ لِمَنْ يَتَّخِذُهَا مِنْ الْأَقْوَالِ الْمَشْرُوعَةِ كَالتَّكْبِيرِ وَسَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ.

[مَا جَاءَ فِي الدُّعَاءِ]

(ش) : قَوْلُهُ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ يَدْعُو بِهَا يُرِيدُ بِذَلِكَ مُجَابَةً قَدْ وُعِدَ الْإِجَابَةَ فِيهَا وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَبَّأَ ذَلِكَ لِأُمَّتِهِ إلَى الْآخِرَةِ لِيُشَفَّعَ بِهَا فِيهِمْ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الشَّفَاعَةِ لَهُ فِي الْآخِرَةِ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَدْعُو فَيَقُولُ اللَّهُمَّ فَالِقَ الْإِصْبَاحِ وَجَاعِلَ اللَّيْلِ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا اقْضِ عَنِّي الدَّيْنَ وَأَغْنِنِي مِنْ الْفَقْرِ وَأَمْتِعْنِي بِسَمْعِي وَبَصَرِي وَقُوَّتِي فِي سَبِيلِكَ» ) .

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّهُمَّ فَالِقَ الْإِصْبَاحِ دَعَا اللَّهَ تَعَالَى بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا} [الأنعام: ٩٦] وَمَعْنَى فَالِقِ الْإِصْبَاحِ الَّذِي خَلَقَهُ وَابْتَدَأَهُ وَأَظْهَرَهُ وَالْفَلَقُ الْبَحْرُ وَقَوْلُهُ وَجَاعِلَ اللَّيْلِ سَكَنًا الْجَعَلُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: بِمَعْنَى الْخَلْقِ وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام: ١] وَأَمَّا إذَا تَعَدَّى إلَى مَفْعُولَيْنِ فَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْحُكْمِ وَالتَّسْمِيَةِ وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْخَلْقِ.

فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَفِي قَوْله تَعَالَى: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} [الزخرف: ١٩] مَعْنَاهُ سَمَّوْهُمْ وَوَصَفُوهُمْ بِأَنَّهُمْ إنَاثٌ.

وَأَمَّا الثَّانِي فَمِنْ قَوْلِهِمْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنِي مُسْلِمًا مَعْنَاهُ خَلَقَنِي مُسْلِمًا فَقَوْلُهُ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا.

(فَصْلٌ) :

وقَوْله تَعَالَى {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا} [الأنعام: ٩٦] يَعْنِي أَنَّهُ يُسْكَنُ فِيهِ وقَوْله تَعَالَى {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا} [الأنعام: ٩٦] بِمَعْنَى يَحْسُبُ بِهِمَا الْأَيَّامَ وَالشُّهُورَ وَالْأَعْوَامَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [يونس: ٥] .

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقُوَّتِي فِي سَبِيلِك يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ جِهَادَ الْعَدُوِّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ سَائِرَ أَعْمَالِ الْبِرِّ مِنْ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ قَالَ مَالِي هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ سُبُلُ اللَّهِ كَثِيرَةٌ وَلَكِنْ يُوضَعُ فِي بَابِ الْغَزْوِ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ إذَا أُطْلِقَتْ فَإِنَّ عُرْفَهَا الْجِهَادُ وَالْغَزْوُ وَإِنْ جَازَ أَنْ تُطْلَقَ عَلَى سَائِرِ الْأَعْمَالِ بِقَرِينَةٍ.

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْت مَعْنَاهُ لَا يَشْتَرِطُ مَشِيئَتَهُ بِاللَّفْظِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ مَعْلُومٌ مُتَيَقَّنٌ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَلَا يَصِحُّ غَيْرُ هَذَا فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الْمَشِيئَةِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُشْتَرَطُ فِيمَنْ يَصِحُّ مِنْهُ أَنْ يَفْعَلَ دُونَ أَنْ يَشَاءَ بِالْإِكْرَاهِ وَغَيْرِهِ مِمَّا تَنَزَّهَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْهُ، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آخِرِ الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ لَا مُكْرِهَ لَهُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ لِيَعْزِمْ الْمَسْأَلَةَ أَيْ يُعْرِي دُعَاءَهُ وَسُؤَالَهُ مِنْ لَفْظِ الْمَشِيئَةِ وَيَسْأَلُ سُؤَالَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ وَأَيْضًا فَإِنَّ فِي قَوْلِهِ إنْ شِئْت نَوْعًا مِنْ الِاسْتِغْنَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>