للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَشْيُ أَمَامَ الْجِنَازَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ وَالْخُلَفَاءُ هَلُمَّ جَرًّا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ» ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَدِيرِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقْدُمُ النَّاسَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ فِي جِنَازَةِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ)

ــ

[المنتقى]

فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ كُفِّنَ فِيهِ يُرِيدُ أَنَّ مَا ذُكِرَ أَوَّلًا هُوَ الْمُسْتَحَبُّ عِنْدَهُ لِمَنْ وَجَدَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا ثَوْبًا وَاحِدًا اجْتَزَأَ بِهِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ قَالَ قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَكَانَ خَيْرًا مِنِّي فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إلَّا بُرْدَةٌ وَخَلَقُ نَمِرَةٍ وَرَجُلٌ آخَرُ خَيْرٌ مِنِّي فَلَمْ يُوجَدْ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إلَّا بُرْدَةٌ.

[الْمَشْيُ أَمَامَ الْجِنَازَةِ]

(ش) : قَوْلُهُ «كَانُوا يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ الْمَشْيُ مَعَهَا؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا اللَّفْظِ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِيمَا يَتَكَرَّرُ وَيُسْتَدَامُ وَيُوَاظَبُ عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءِ بَعْدِهِ ثَبَتَ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِقَوْلٍ لَأَحَدٍ؛ لِأَنَّ النَّاسَ بَيْنَ قَائِلَيْنِ: قَائِلٌ يَقُولُ إنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ مَشْرُوعَةٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَقَائِلٌ يَقُولُ إنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ، وَإِنَّ السُّنَّةَ الْمَشْيُ خَلْفَهَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ.

وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ مَعَانِيَ لَيْسَتْ بِالْقَوِيَّةِ مِنْهَا أَنَّ النَّاسَ شُفَعَاءُ لَهُ وَالشَّفِيعُ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْ الْمَشْفُوعِ وَهَذَا حُكْمُ الرِّجَالِ فَأَمَّا النِّسَاءُ فَيَمْشِينَ مِنْ وَرَاءِ الْجِنَازَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْتَرُ لَهُنَّ قَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَيُكْرَهُ الرُّكُوبُ فِي الْمَشْيِ مَعَ الْجِنَازَةِ قَالَهُ مَالِكٌ وَلَا بَأْسَ بِهِ فِي الِانْصِرَافِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَوَجْه ذَلِكَ أَنَّ الْمَشْيَ مَعَ الْجِنَازَةِ فِعْلُ بِرٍّ وَمَوْضِعُ تَوَاضُعٍ، وَمَشْيٌ إلَى صَلَاةٍ كَالْمَشْيِ إلَى الْجُمُعَةِ وَالرُّجُوعِ فَلَيْسَ بِعِبَادَةٍ فِي نَفْسِهِ وَالرُّكُوبُ فِيهِ مُطْلَقٌ كَالرُّكُوبِ لِلْمُنْصَرِفِ مِنْ الْجُمُعَةِ (فَرْعٌ) فَإِنْ رَكِبَ إلَى الْجِنَازَةِ فَحُكْمُهُ أَنْ يَمْشِيَ خَلْفَ الْجِنَازَةِ وَالنِّسَاءُ خَلْفَهُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ خَالَفَ السُّنَّةَ فِي مَسِيرِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُمَاشِيَ مَنْ عَلَى السُّنَّةِ فَيُظْهِرَ مُخَالَفَتَهُ وَأَذِيَّتَهُ بِدَابَّتِهِ فَكَانَ مَوْضِعُ سَيْرِهِ خَلْفَ الْجِنَازَةِ وَأَمَامَ النِّسَاءِ لِيَسْتَتِرْنَ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : قَوْلُهُ إنَّهُ رَأَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقْدُمُ النَّاسَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ شِهَابٍ وَزَادَ فِي هَذَا أَنَّهُ بَيَّنَ أَنَّهُ مِمَّا كَانَ يَأْمُرُ بِهِ وَيَأْخُذُ النَّاسَ بِالْتِزَامِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ لَا سِيَّمَا فِي مِثْلِ جِنَازَةِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا أَحَدٌ إلَّا لِعُذْرٍ، ثُمَّ لَمْ يَثْبُتْ فِي ذَلِكَ إنْكَارٌ مِنْ أَحَدٍ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّهُ قَالَ مَا رَأَيْتُ أَبِي قَطُّ فِي جِنَازَةٍ إلَّا أَمَامَهَا قَالَ ثُمَّ يَأْتِي الْبَقِيعَ فَيَجْلِسُ حَتَّى يَمُرُّوا عَلَيْهِ) .

(ش) : قَوْلُهُ مَا رَأَيْت أَبِي قَطُّ فِي جِنَازَةٍ إلَّا أَمَامَهَا يَقْتَضِي مُدَاوَمَةَ عُرْوَةَ عَلَى ذَلِكَ اقْتِدَاءً بِمَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَأَخْبَرَ هِشَامٌ أَنَّهُ لَمْ يَرَ أَبَاهُ قَطُّ فِي جِنَازَةٍ إلَّا أَمَامَهَا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِمَادِهِ ذَلِكَ وَقَصْدِهِ إلَيْهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ، ثُمَّ يَأْتِي الْبَقِيعَ يُرِيدُ مَقْبَرَةَ الْمَدِينَةِ فَيَجْلِسُ حَتَّى يَمُرُّوا عَلَيْهِ يُرِيدُ أَنَّ جُلُوسَهُ كَانَ عَلَى طَرِيقِهِمْ إلَى الْقَبْرِ إذْ كَانَ يَتَقَدَّمُهُمْ لِسُرْعَةِ سَيْرِهِ وَإِبْطَائِهِمْ وَسُرْعَةُ السَّيْرِ بِالْجِنَازَةِ مُسْتَحَبٌّ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أَسْرِعُوا بِجَنَائِزِكُمْ فَإِنَّمَا هُوَ خَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إلَيْهِ أَوْ شَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» .

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَيَجْلِسُ حَتَّى يَمُرُّوا عَلَيْهِ يُرِيدُ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يَجْلِسُ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ وَلَوْ كَانَ يَجْلِسُ

<<  <  ج: ص:  >  >>