للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ وَذُكِرَ لَهَا «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ إنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ فَقَالَتْ عَائِشَةُ يَغْفِرُ اللَّهُ لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَمَا إنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ وَلَكِنَّهُ نَسِيَ أَوْ أَخْطَأَ إنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَهُودِيَّةٍ يَبْكِي عَلَيْهَا أَهْلُهَا فَقَالَ إنَّكُمْ لَتَبْكُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا» ) .

الْحِسْبَةُ فِي الْمُصِيبَةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَمُوتُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ إلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ» )

ــ

[المنتقى]

هَذَا الْحَدِيثِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَهُ مِنْ ذَلِكَ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَمَا تَعُدُّونَ الشَّهَادَةَ؟» سُؤَالٌ لَهُمْ عَنْ مَعْنَى الشَّهَادَةِ لِيَخْتَبِرَ بِذَلِكَ عِلْمَهُمْ وَيُفِيدَهُمْ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ مَا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ قَالُوا الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنَّمَا سَأَلَهُمْ عَنْ جِنْسِ جَمِيعِ الشَّهَادَةِ فَأَخْبَرُوهُ عَنْ بَعْضِهَا وَهُوَ جَمِيعُ مَا كَانَ يُسَمَّى عِنْدَهُ شَهَادَةً فَقَالُوا الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَخْبَرَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الشَّهَادَةَ سَبْعَةٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَسْلِيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَإِخْبَارًا لَهُمْ بِتَفَضُّلِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ قَدْ تَكُونُ بِغَيْرِ الْقَتْلِ وَإِنَّ شُهَدَاءَ أَمَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْثَرُ مِمَّا يَعْتَقِدُهُ الْحَاضِرُونَ، ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ فَقَالَ الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ وَالْمَطْعُونُ هُوَ الْمُصَابُ بِالطَّاعُونِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا فِي الْجَامِعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ وَهُوَ مَنْ مَاتَ غَرَقًا فِي الْمَاءِ وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ دَاءٌ مَعْرُوفٌ، وَكَذَلِكَ الْمَبْطُونُ وَالْحَرِقُ شَهِيدٌ وَهُوَ مَنْ يَمُوتُ بِالنَّارِ، وَاَلَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ قِيلَ إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ تَمُوتُ بِالْوِلَادَةِ وَقِيلَ إنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ تَمُوتَ جَمْعَاءَ بِكْرًا غَيْرَ ثَيِّبٍ لَمْ يَنَلْهَا أَحَدٌ وَهَذِهِ مِيتَاتٌ فِيهَا شِدَّةُ الْأَمْرِ فَتَفَضَّلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ جَعَلَهَا تَمْحِيصًا لِذُنُوبِهِمْ زِيَادَةً فِي أَجْرِهِمْ حَتَّى بَلَّغَهُمْ بِهَا مَرَاتِبَ الشُّهَدَاءِ.

(ش) : قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ إنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ هَذَا الْمَعْنَى قَدْ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ.

وَقَدْ ذَكَرَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ وُجُوهًا:

أَحَدَهَا: أَنَّهُ يُعَذَّبُ بِمَا يُبْكَى عَلَيْهِ بِهِ وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ شَأْنِ نِسَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَنْدُبْنَ الْمَيِّتَ وَيَمْدَحْنَهُ لِقَتْلِهِ النَّاسَ وَظُلْمِهِ لَهُمْ وَتَسَلُّطِهِ عَلَيْهِمْ وَهَذَا مِمَّا يُعَذَّبُ بِهِ فَقَالَ إنَّهُ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ عَلَيْهِ إذْ كَانَ مِنْ سَبَبِهِ النَّوْحُ وَالْبُكَاءُ، وَإِذَا أَمَرَ بِهِ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ، وَقَدْ أَنْكَرَتْ رِوَايَتَهُ عَائِشَةُ وَحَمَلَتْ الْقَوْلَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَاحْتَجَّتْ فِي رَدِّهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤] ، وَإِذَا حُمِلَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّأْوِيلِ خَرَجَ عَنْ مَعْنَى مَا أَنْكَرَتْهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُعَذَّبُ بِنَوْحِهِمْ، وَإِنَّمَا يُعَاقَبُ بِفِعْلِهِ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بِأَمْرِهِ لَهُمْ بِالنِّيَاحَةِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ عَائِشَةَ «إنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِيَهُودِيَّةٍ يَبْكِي عَلَيْهَا أَهْلُهَا فَقَالَ إنَّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْهَا، وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا» وَعَلَى هَذَا لَا يَتَعَلَّقُ عَذَابُهَا بِالْبُكَاءِ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا فِيهِ إخْبَارٌ عَنْ حَالِهَا حِينَ الْبُكَاءِ عَلَيْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْحِسْبَةُ فِي الْمُصِيبَةِ]

(ش) : قَوْلُهُ «لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ» شَرْطُ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَجَاةَ لِلْكَافِرِ مِنْ النَّارِ بِمَوْتِ أَوْلَادِهِ وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُنَجَّى مِنْهَا بِالْإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ مِنْ الْمَعَاصِي أَوْ الْمَغْفِرَةِ لَهَا بِأَنْ يَمُوتَ لِلْمُؤْمِنِ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ وَيُحْتَمَلُ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَجْرُهُ عَلَى مُصَابِهِ بِهِمْ يُكَفِّرُ عَنْهُ ذُنُوبَهُ فَلَا تَمَسُّهُ النَّارُ الَّتِي يُعَاقَبُ بِهَا أَهْلُ الذُّنُوبِ فَفِي هَذَا تَسْلِيَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ فِي مُصَابِهِمْ بِأَوْلَادِهِمْ إذْ فِي ذَلِكَ سَتْرٌ لَهُمْ مِنْ النَّارِ وَنَجَاةٌ مِنْ الْعَذَابِ وَقَوْلُهُ «إلَّا تَحِلَّةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>