للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا جَاءَ فِي تَعْجِيلِ الْفِطْرِ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَا يُصَلِّيَانِ الْمَغْرِبَ حِينَ يَنْظُرَانِ إلَى اللَّيْلِ الْأَسْوَدِ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَا، ثُمَّ يُفْطِرَانِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ) .

ــ

[المنتقى]

[مَا جَاءَ فِي تَعْجِيلِ الْفِطْرِ]

(ش) : قَوْلُهُ «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ» يُرِيدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَزَالُونَ بِخَيْرٍ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ مَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَلَى سُنَّةٍ وَسَبِيلٍ، وَتَعْجِيلُ الْفِطْرِ أَنْ لَا يُؤَخَّرَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عَلَى وَجْهِ التَّشَدُّدِ وَالْمُبَالَغَةِ وَاعْتِقَادِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْفِطْرُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عَلَى حَسِبَ مَا تَفْعَلُهُ الْيَهُودُ، وَأَمَّا مَنْ أَخَّرَ فِطْرَهُ بِاخْتِيَارِهِ لِأَمْرٍ عَنَّ لَهُ مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّ صَوْمَهُ قَدْ كَمُلَ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ.

وَقَدْ رَوَى أَبُو سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا تُوَاصِلُوا فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ» ، وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَا يُوَاصِلُ أَحَدٌ مِنْ السَّحَرِ إلَى السَّحَرِ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ الْأَخْذُ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى وَجْهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّهُ تَأَوَّلَ الْحَدِيثَ أَيُّكُمْ أَرَادَ تَأْخِيرَ الْأَكْلِ لِمَانِعٍ مَنَعَهُ مِنْ الْأَكْلِ مِنْ شُغْلٍ أَوْ مُدَاوَاةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلْيُؤَخِّرْ إلَى السَّحَرِ وَلَا يَصِلُ بَيْنَ الْيَوْمَيْنِ، وَإِنْ كَانَ زَمَنَ اللَّيْلِ لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالصَّوْمِ دُونَ النَّهَارِ وَيَصِحُّ إفْرَادُ النَّهَارِ بِالصَّوْمِ دُونَهُ وَتَعَلَّقَ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو عَنْ أَبِي أَوْفَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا رَأَيْت اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» فَجَعَلَ مَجِيءَ اللَّيْلِ فِطْرًا.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَتَمَامُ الصَّوْمِ وَوَقْتِ الْفِطْرِ هُوَ إذَا انْقَضَى غُرُوبُ الشَّمْسِ وَكَمُلَ ذَهَابُ النَّهَارِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧] وَهَذَا يَقْتَضِي الْإِمْسَاكَ إلَى أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إمْسَاكِ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ لِيَتَيَقَّنَّ صِيَامَ جَمِيعِ أَجْزَاءِ النَّهَارِ وَبِمَاذَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ فَأَمَّا الْمُفْرَدُ أَوْ مَنْ كَانَ فِي مَكَان لَيْسَ فِيهِ مُؤَذِّنُونَ فَإِنَّهُ إذَا رَأَى الْفَجْرَ قَدْ طَلَعَ أَمْسَكَ لِلصَّوْمِ، وَإِذَا رَأَى الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ أَفْطَرَ، وَأَمَّا الْأَعْمَى فَإِنَّهُ يَعْتَبِرُ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ مَنْ يَثِقُهُ وَيَعْمَلُ بِهِ، وَأَمَّا الْبَصِيرُ الَّذِي يَكُونُ فِي الْحَضَرِ أَوْ فِي الْمِصْرِ فِيهِ الْمُؤَذِّنُونَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ إذَا كَانَ أَذَانُهُمْ عِنْدَ الْفَجْرِ، وَإِنْ رَأَى هُوَ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ وَلَا يُفْطِرُ حَتَّى يُؤَذِّنُوا، وَإِنْ رَأَى هُوَ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ؛ لِأَنَّهُمْ مُوَكَّلُونَ بِذَلِكَ وَهُمْ رُعَاتُهُ، وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ وَلَا يَنْتَظِرُ إلَى مُؤَذِّنٍ وَلَا مُثَوِّبٍ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَعْرِفُ الْفَجْرَ فَكَانَ فِي مَوْضِعٍ يَنْظُرُ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَرَى الْفَجْرَ فَلْيَحْتَطْ، وَكَذَلِكَ الْفِطْرُ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَلَمْ يَشُكَّ فَإِذَا شَكَّ فَلْيَحْتَطْ وَلَا يَنْتَظِرُ الْمُؤَذِّنَ كَانَ فِي مَوْضِعٍ فِيهِ مُؤَذِّنُونَ أَوْ لَمْ يَكُنْ قَالَ عِيسَى وَأَمَرَنِي أَنْ أَكْتُبَهُ، وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي الْمُزَنِيَّة.

(ش) : قَوْلُهُ كَانَا يُصَلِّيَانِ الْمَغْرِبَ حِينَ يَنْظُرَانِ إلَى اللَّيْلِ الْأَسْوَدِ يُرِيدُ حِينَ كَانَا يَرَيَانِهِ فِي أُفُقِ الْمَشْرِقِ، وَذَلِكَ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «، وَإِذَا رَأَيْتَ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» فَكَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ إذَا رَأَيَا سَوَادَ اللَّيْلِ فِي أُفْقِ الْمَشْرِقِ تَيَقَّنَا غُرُوبَ الشَّمْسِ فِي أُفْقِ الْمَغْرِبِ يَشْرَعَانِ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ تَعْجِيلَهَا مَشْرُوعٌ فَكَانَا يَبْدَآنِ بِالْعِبَادَةِ فَإِذَا فَرَغَا مِنْ الصَّلَاةِ أَفْطَرَا وَلَيْسَ هَذَا بِتَأْخِيرٍ لِلْفِطْرِ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ إنَّمَا كُرِهَ مِمَّنْ أَخَّرَهُ إلَى اشْتِبَاكِ النُّجُومِ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ وَلَمْ يُؤَخِّرْ لِلْمُبَادَرَةِ إلَى عِبَادَةٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>