للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا جَاءَ فِي صِيَامِ الَّذِي يُصْبِحُ جُنُبًا فِي رَمَضَانَ

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَنَا أَسْمَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُصْبِحُ جُنُبًا وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا أُصْبِحُ جُنُبًا وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ فَأَغْتَسِلُ وَأَصُومُ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك لَسْتَ مِثْلَنَا قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِك وَمَا تَأَخَّرَ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ وَاَللَّهِ إنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِي» ) .

ــ

[المنتقى]

[مَا جَاءَ فِي صِيَامِ الَّذِي يُصْبِحُ جُنُبًا فِي رَمَضَانَ]

(ش) : قَوْلُهُ «إنِّي أُصْبِحُ جُنُبًا وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ» مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ نَوَى الصِّيَامَ وَقْتَ تَصِحُّ نِيَّتُهُ وَيُصْبِحُ جُنُبًا فَكَانَ سُؤَالُهُ عَنْ حَدَثِ الْجَنَابَةِ هَلْ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصِّيَامِ أَمْ لَا فَأَجَابَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يَفْعَلُ هَذَا فَيَغْتَسِلُ وَيَصُومُ وَلَا يَمْنَعُهُ حَدَثُ الْجَنَابَةِ مِنْ صِحَّةِ صَوْمِهِ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ لِلرَّجُلِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَفْعَلُهُ، وَقَدْ أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِهِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ فَقَالَ تَعَالَى {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: ١٥٨] .

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ السَّائِلَ سَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِثْلِ ذَلِكَ مِنْ حَالِ نَفْسِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ حُكْمُ السَّائِلِ وَلَوْ اخْتَلَفَ حُكْمُهُمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَمَا جَازَ أَنْ يُجِيبَهُ بِمِثْلِ هَذَا أَنَّهُ يَفْعَلُهُ هُوَ وَيُجْزِئُهُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ الرَّجُلِ «لَسْتَ مِثْلَنَا قَدْ غُفِرَ لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِك وَمَا تَأَخَّرَ» ، وَإِنْ كَانَ عَلَى مَعْنَى شِدَّةِ الْإِشْفَاقِ وَكَثْرَةِ الْخَوْفِ وَالتَّوَقِّي إلَّا أَنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي أَنْ يَعْتَقِدَ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ارْتِكَابَ مَا شَاءَ مِنْ الْمَحْظُورِ الْمُحَرَّمِ عَلَيْنَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَرَادَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُحِلَّ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ فَأَتَى بِهَذَا اللَّفْظِ الَّذِي ظَاهِرُهُ أَشَدُّ مِنْ مُرَادِهِ.

وَقَدْ رُوِيَ «لَسْنَا مِثْلَك يُحِلُّ اللَّهُ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ» وَهَذَا أَيْضًا يَقْتَضِي أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذَا يَمْنَعُ الْأُمَّةَ أَنْ تَقْتَدِيَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ «فَغَضِبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِمَا ظَهَرَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَمَّا مَنَعَ مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ: «وَاَللَّهِ إنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِي» مَعْنَى ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَا غُفِرَ مِنْ ذَنْبِي لَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ بَلْ أَنَا أَخْشَاكُمْ وَمِنْ خَشْيَتِي لَهُ أَنِّي أَعْلَمُكُمْ بِمَا أَجْتَنِبُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاقْتِدَاءِ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُمَا قَالَتَا «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ يَصُومُ» ) (ش) : قَوْلُهُمَا «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ فِي رَمَضَانَ، ثُمَّ يَصُومُ» عَلَى مَعْنَى الْإِبْلَاغِ فِي الْبَيَانِ وَرَفْعِ الْإِشْكَالِ لِمَا كَانَ وَقَعَ فِي ذَلِكَ مِنْ الِاخْتِلَافِ عَلَى مَا يَأْتِي بَعْدُ ذَلِكَ فَاضْطُرَّتَا إلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الْبَيَانِ لِزَوَالِ الشُّبْهَةِ وَوُجُوهُ الِاحْتِمَالِ وَتَخْلِيصُ الْحَدِيثِ حُجَّةٌ فِي مَوْضِعِ الِاخْتِلَافِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَحْدَاثَ كُلَّهَا لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّوْمِ سَوَاءٌ كَانَتْ عَنْ عَمْدٍ أَوْ غَيْرِ عَمْدٍ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ إنَّ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ فَزَالَ ذَلِكَ الْخِلَافُ بِخَبَرِ عَائِشَةِ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَهُمَا أَعْلَمُ بِهَذَا لِمَكَانِهِمَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاطِّلَاعِهِمَا فِي ذَلِكَ عَلَى حَالِهِ وَمَعْرِفَتِهِمَا بِمَا يَخْفَى عَلَى النَّاسِ مِنْ أَمْرِهِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا حَدَثُ الْحَيْضِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّوْمِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ سَوَاءٌ أَخَّرَتْ الْغُسْلَ عَمْدًا أَوْ غَيْرَ عَمْدٍ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَنَّهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّوْمِ وَدَلِيلُنَا عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ الْجُمْهُورِ: إنْ حَدَثَ

<<  <  ج: ص:  >  >>