للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِدْيَةُ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ مِنْ عِلَّةٍ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ كَبِرَ حَتَّى كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصِّيَامِ فَكَانَ يَفْتَدِي) .

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ إذَا خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا وَاشْتَدَّ عَلَيْهَا الصِّيَامُ قَالَ تُفْطِرُ وَتُطْعِمُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَرَوْنَ عَلَيْهَا الْقَضَاءَ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤] وَيَرَوْنَ ذَلِكَ مِنْ الْأَمْرَاضِ مَعَ الْخَوْفِ عَلَى وَلَدِهَا) .

ــ

[المنتقى]

[فِدْيَةُ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ مِنْ عِلَّةٍ]

(ش) : قَوْلُهُ إنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ كَبِرَ حَتَّى كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصِّيَامِ فَكَانَ يَفْتَدِي يُرِيدُ أَنَّهُ بَلَغَ مِنْ الضَّعْفِ لِلْكِبَرِ أَنْ عَجَزَ عَنْ الصِّيَامِ، وَالْعَجْزُ عَنْ الصِّيَامِ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: مَوْجُودٌ سَبَبُهُ فِي الْجَسَدِ وَهُوَ الْمَرَضُ وَالْعَطَشُ وَالْحَرُّ وَالْجُوعُ فَهَذِهِ مَتَى وُجِدَتْ وَمَنَعَتْ تَمَامَ الصِّيَامِ سَقَطَتْ الْفِدْيَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤] وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِمَّا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْكَفَّارَةِ، وَغَيْرِهَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَيُبِيحُ الْفِطْرَ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَخَوْفِ زِيَادَةِ الْمَرَضِ أَوْ تَجَدُّدِهِ أَوْ طُولِ مُدَّتِهِ وَيُبِيحُهُ مَعَ ذَلِكَ الْحَاجَةُ إلَى التَّدَاوِي إذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا بِالْفِطْرِ وَخِيفَ مِنْ تَأْخِيرِهِ الْمَرَضَ أَوْ تَجَدُّدِهِ أَوْ طُولِ أَمْرِهِ أَوْ الْمَشَقَّةِ الشَّدِيدَةِ، وَقَدْ أَرْخَصَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِصَاحِبِ الْحَفْرِ الشَّدِيدِ أَنْ يُفْطِرَ وَيَتَدَاوَى وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ التَّدَاوِيَ هَاهُنَا يَقُومُ مَقَامَ الْغِذَاءِ فِي حِفْظِ الصِّحَّةِ فَإِذَا خِيفَ مِنْ تَأَخُّرِهِ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا أُبِيحَ الْفِطْرُ لَهُ كَالْأَكْلِ.

(فَصْلٌ) :

وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْجَسَدُ سَالِمًا مِنْ سَبَبِ الْعَجْزِ إلَّا أَنَّهُ بِحَالِ مَنْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ طَرَأَ عَلَيْهِ الْمَانِعُ مِنْ تَمَامِ الصَّوْمِ، وَقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ مِنْ حَالِهِ وَاعْتِمَادِهِ وَكَانَ الْغَالِبُ مِنْ أَمْرِهِ لَا يُشَكُّ فِيهِ كَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْحَامِلِ فَهَؤُلَاءِ لَيْسَ بِهِمْ مَانِعٌ وَلَا مَرَضٌ وَلَا عَطَشٌ وَلَا جُوعٌ وَلَا حَرٌّ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ يَطْرَأُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ الصَّوْمِ فَمَنْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ فَغَلَبَهُ عَطَشٌ أَوْ جُوعٌ أَوْ ضَعْفٌ عَنْ الصَّوْمِ فَأَفْطَرَ فَلَا إطْعَامَ عَلَيْهِ عَنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَمَنْ أَفْطَرَ ابْتِدَاءً لِعِلْمِهِ أَنَّ الْمَشَقَّةَ تَلْحَقُهُ إنْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ.

فَأَمَّا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِطْعَامُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ سَحْنُونٌ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِطْعَامُ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ أَنَّ هَذَا مُفْطِرٌ بِعُذْرٍ مَوْجُودٍ بِهِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ إطْعَامٌ كَالْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ.

١ -

(فَصْلٌ) :

قَوْلُهُ فِي أَنَسٍ كَانَ يَفْتَدِي يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ.

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَا أَرَى ذَلِكَ وَاجِبًا وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَفْعَلَهُ إنْ كَانَ قَوِيًّا عَلَيْهِ فَمَنْ فَدَى فَإِنَّهُ يُطْعِمُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) .

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الْإِطْعَامَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى مَنْ عَجَزَ عَنْ الصِّيَامِ لِكِبَرٍ وَهَرَمٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا عَوْدَةَ لَهُ إلَى قَضَائِهِ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ الَّذِي يَرْجُو الْقَضَاءَ وَقَوْلُهُ فَمَنْ فَدَى فَإِنَّهُ يُطْعِمُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ مِنْ الْمُسْتَحَبِّ فَإِنَّ الْفِدْيَةَ فِي ذَلِكَ مُدٌّ بِمُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كُلِّ يَوْمٍ أَفْطَرَهُ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كَفَّارَةُ كُلِّ يَوْمٍ صَاعُ تَمْرٍ أَوْ نِصْفُ صَاعِ بُرٍّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ كَفَّارَةٌ فَلَمْ تَتَقَدَّرْ بِصَاعٍ أَوْ فَلَمْ يَتَقَدَّرْ جَمِيعُهَا بِنِصْفِ صَاعٍ أَصْلُ ذَلِكَ كَفَّارَةُ الْأَيْمَانِ، وَلِأَنَّ مَا قُلْنَا هُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا.

(ش) : قَوْلُهُ فِي الْحَامِلِ إذَا خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا مِنْ شِدَّةِ الصِّيَامِ تُفْطِرُ وَتُطْعِمُ لَا خِلَافَ فِي إبَاحَةِ الْفِطْرِ لَهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ أَمَرَ الْحَامِلَ بِالْإِطْعَامِ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ.

وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ وَعَنْ مَالِكٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ:

إحْدَاهُمَا: لَا إطْعَامَ عَلَيْهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>