للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمَا مَضَى مِنْ السُّنَّةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَدِّثَ فِي ذَلِكَ غَيْرَ مَا مَضَى عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ لَا مِنْ شَرْطٍ يَشْتَرِطُهُ وَلَا يَبْتَدِعُهُ، وَقَدْ اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَرَفَ الْمُسْلِمُونَ سُنَّةَ الِاعْتِكَافِ) .

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَالِاعْتِكَافُ وَالْجِوَارُ سَوَاءٌ وَالِاعْتِكَافُ لِلْقَرَوِيِّ وَالْبَدْوِيِّ سَوَاءٌ) .

مَا لَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ إلَّا بِهِ (ص) : (يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَنَافِعًا مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَا لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصِيَامٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: ١٨٧] فَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ الِاعْتِكَافَ مَعَ الصِّيَامِ قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصِيَامٍ) .

ــ

[المنتقى]

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ الِاعْتِكَافَ عَمَلٌ مُتَّصِلٌ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ مُقْتَضَاهُ الِاتِّصَالُ عَلَى مَا دَلَّلْنَا عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ خِلَافَ مُقْتَضَاهُ وَذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِطَ الدُّخُولَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ مَتَى أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا يَشْتَرِطُ الْخُرُوجَ مِنْهُ مَتَى أَرَادَ لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّهُ نَذَرَ اعْتِكَافًا غَيْرَ شَرْعِيٍّ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ مَنْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ الشَّرْعِيَّ كَمَا لَوْ نَذَرَ صَوْمًا يُفْطِرُ فِيهِ نَهَارًا مَتَى شَاءَ أَوْ نَذَرَ صَلَاةً يَتَكَلَّمُ فِيهَا مَتَى شَاءَ وَلَا يُبْطِلُهَا عَلَيْهِ الْحَدَثُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ نَذَرَ هَذَا، ثُمَّ دَخَلَ فِيهِ لَزِمَهُ الِاعْتِكَافُ بِالدُّخُولِ فِيهِ وَبَطَلَ الشَّرْطُ الَّذِي شَرَطَهُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَصِحُّ اشْتِرَاطُ الْخُرُوجِ مِنْ مُعْتَكَفِهِ لِعِيَادَةِ مَرِيضٍ وَشُهُودِ جِنَازَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ حَوَائِجِهِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عِنْدَهُ عَلَى أَصْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَفْعَالَ الْقُرَبِ إذَا دَخَلَ فِيهَا لَزِمَتْ بِالدُّخُولِ فِيهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْخُرُوجَ فِي أَثْنَائِهَا لَزِمَهُ إتْمَامُهَا فَإِذَا شَرَطَ الْخُرُوجَ فِي أَثْنَائِهَا لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ كَالْحَجِّ وَالصَّلَاةِ.

وَالْأَصْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الِاعْتِكَافُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ.

وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِحُّ اعْتِكَافُ سَاعَةٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ مِنْ شَرْطِهَا الصَّوْمُ، وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَبَعَّضُ وَلَا يَكُونُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ كَامِلٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مُدَّتِهَا مَا يَصِحُّ فِيهِ الصَّوْمُ وَذَلِكَ يَوْمٌ.

(ش) : قَوْلُهُ الِاعْتِكَافُ وَالْجِوَارُ سَوَاءٌ يُرِيدُ الْجِوَازَ الَّذِي بِمَعْنَى الِاعْتِكَافِ فِي التَّتَابُعِ يَلْزَمُ فِيهِ مَا يَلْزَمُ فِي الِاعْتِكَافِ، وَأَمَّا الْجِوَارُ الَّذِي يَفْعَلُهُ أَهْلُ مَكَّةَ فَإِنَّمَا هُوَ لُزُومُ الْمَسْجِدِ بِالنَّهَارِ وَالِانْقِلَابِ بِاللَّيْلِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَع شَيْئًا وَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ فِي حَوَائِجِهِ وَلِعِيَادَةِ مَرِيضٍ وَشُهُودِ جِنَازَةٍ وَيَطَأُ أَهْلَهُ وَجَارِيَتَهُ مَتَى شَاءَ فَهَذَا الْجِوَارُ غَيْرُ الْجِوَارِ الَّذِي عِنْدَ مَالِكٍ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَاعْتِكَافُ الْقَرَوِيِّ وَالْبَدَوِيِّ سَوَاءٌ يُرِيدُ أَنَّ حُكْمَهُمَا فِيمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمَا وَيُبَاحُ لَهُمَا سَوَاءٌ، وَقَدْ يَفْتَرِقَانِ فِي أَمْرِ الْجُمُعَةِ فَإِنْ كَانَ الْبَدَوِيُّ بِمَوْضِعٍ فِيهِ جُمُعَةٌ جَازَ لَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدٍ لَا يُجْمَعُ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْقَرَوِيِّ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ تَلْزَمُهُ دُونَ الْبَدَوِيِّ.

[مَا لَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ إلَّا بِهِ]

(ش) : قَوْلُهُمَا إنَّهُ لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصِيَامٍ نَفْيٌ لِوُجُودِ اعْتِكَافٍ شَرْعِيٍّ دُونَ صِيَامٍ، وَهَذَا مَذْهَبُ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِمَا.

وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَقَالَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُمَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ الصِّيَامُ وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَاسِمُ وَنَافِعٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: ١٨٧] ، وَهَذَا خِطَابٌ لِلصَّائِمِينَ لِقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧] وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا لَبْثٌ فِي مَكَان مَخْصُوصٍ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ قُرْبَةً بِمُجَرَّدِهِ دُونَ أَنْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ مَعْنًى آخَرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>