للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خُرُوجُ الْمُعْتَكِفِ لِلْعِيدِ (ص) : (عَنْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ اعْتَكَفَ فَكَانَ يَذْهَبُ لِحَاجَتِهِ تَحْتَ سَقِيفَةٍ فِي حُجْرَةٍ مُغْلَقَةٍ فِي دَارِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، ثُمَّ لَا يَرْجِعُ حَتَّى يَشْهَدَ الْعِيدَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ) .

(ص) : (يَحْيَى عَنْ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ رَأَى بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ إذَا اعْتَكَفُوا الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ لَا يَرْجِعُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ حَتَّى يَشْهَدُوا الْفِطْرَ مَعَ النَّاسِ قَالَ زِيَادٌ قَالَ مَالِكٌ وَبَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْ أَهْلِ الْفَضْلِ الَّذِينَ مَضَوْا أَوْ هَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْت إلَيَّ فِي ذَلِكَ) .

ــ

[المنتقى]

وَهُوَ قُرْبَةٌ فِي نَفْسِهِ دَلِيلُهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ.

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ لِلِاعْتِكَافِ بَلْ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ لِرَمَضَانَ وَلِنَذْرٍ وَلِغَيْرِهِ فَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا فَهَلْ يَجُوزُ لَك أَدَاؤُهُ فِي رَمَضَانَ أَوْ فِي صِيَامٍ وَاجِبٍ عَلَيْهِ أَجَازَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَمَنَعَ مِنْهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الِاعْتِكَافَ مُقْتَضَاهُ جَوَازُ فِعْلِهِ مَعَ صِيَامٍ لِغَيْرِهِ فَإِذَا نَذَرَهُ النَّاذِرُ فَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ نَذْرُهُ إلَى مُقْتَضَاهُ فِي أَصْلِ الشَّرْعِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ فَيَكُونَ كَمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا وَصَوْمًا، وَهَذَا كَمَا نَقُولُ إنَّ مَنْ نَذَرَ صَلَاةً لَزِمَتْهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَطَهَّرَ لَهَا خَاصَّةً بَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا بِطَهَارَةٍ لِغَيْرِهَا وَوَجْهُ قَوْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ النَّاذِرَ لِلِاعْتِكَافِ لَزِمَهُ نَذْرُهُ عَلَى جَمِيعِ شُرُوطِهِ الَّتِي لَا يَصِحُّ إلَّا بِهَا وَلَمَّا كَانَ الِاعْتِكَافُ لَا يَصِحُّ إلَّا مَعَ الصَّوْمِ تَنَاوَلَ صَوْمَهُ النَّذْرُ مَعَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[خُرُوجُ الْمُعْتَكِفِ لِلْعِيدِ]

(ش) : قَوْلُهُ كَانَ يَذْهَبُ لِحَاجَتِهِ تَحْتَ سَقِيفَةٍ فِي حُجْرَةٍ مُغْلَقَةٍ فِي دَارِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ يُرِيدُ أَنَّهَا كَانَتْ غَيْرَ مَنْزِلِهِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ حَاجَتِهِ فِي غَيْرِ دَارِهِ؛ لِأَنَّ فِي رُجُوعِهِ إلَى دَارِهِ وَدُخُولِهِ إلَيْهِ ذَرِيعَةً إلَى الِاشْتِغَالِ بِبَعْضِ مَا يَظْهَرُ إلَيْهِ فِيهِ وَيَرَاهُ مِنْهُ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ فِي الْمُزَنِيَّة لَا يَدْخُلُ بَيْتَهُ وَلَا يَرْجِعُ إلَيْهِ لِشَيْءٍ وَلَا يَتَوَضَّأُ إلَّا فِي غَيْرِهِ وَلَيْسَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَغَيْرِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ يُمَكِّنُهُ إلَى مَوْضِعِ مُعْتَكَفِهِ قَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّمَا يَقْصِدُ إلَى أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ مَنْزِلُهُ لَمْ يَتَعَدَّهُ إلَى غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ أَبْعَدُ مِنْهُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ، ثُمَّ لَا يَرْجِعُ حَتَّى يَشْهَدَ الْعِيدَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يُقِيمُ فِي مُعْتَكَفِهِ لَيْلَةَ الْفِطْرِ حَتَّى يَغْدُوَ مِنْ مُعْتَكَفِهِ إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ، ثُمَّ لَا يَرْجِعُ إلَى دَارِهِ بَعْدَ أَنْ يَشْهَدَ الْعِيدَ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ يَخْرُجُ مِنْ مُعْتَكَفِهِ لَيْلَةَ الْفِطْرِ وَرَوَاهُ عَنْهُ سَحْنُونٌ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَفَعَلَ ذَلِكَ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ هُوَ عَلَى الْوُجُوبِ، وَإِنْ خَرَجَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، وَقَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْعِبَادَتَيْنِ يَصِحُّ إفْرَادُهَا فَلَمْ تَكُنْ إحْدَاهُمَا مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْأُخْرَى كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَلِذَلِكَ جَازَ الِاعْتِكَافُ فِي زَمَنٍ لَا يَتَّصِلُ بِلَيْلَةِ الْفِطْرِ وَلَوْ كَانَ الْمُقَامُ لَيْلَةَ الْفِطْرِ بِالْمُعْتَكَفِ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنْ أَنَّ كُلَّ عِبَادَتَيْنِ جَرَى عُرْفُ الشَّرْعِ بِاتِّصَالِهِمَا فَإِنَّ اتِّصَالَهُمَا عَلَى الْوُجُوبِ كَالطَّوَافِ وَرَكْعَتَيْهِ.

(ش) : وَهَذَا عَلَى نَحْوِ مَا مَضَى وَأَنَّ ذَلِكَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ وَفِعْلُهُمْ أَنْ لَا يَرْجِعُوا مِنْ مُعْتَكَفِهِمْ إلَى أَهْلِيهِمْ حَتَّى يَشْهَدُوا صَلَاةَ عِيدِ الْفِطْرِ مَعَ النَّاسِ فَيُصَلُّونَ بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ، وَهَذَا لِمَنْ شَهِدَ صَلَاةَ الْعِيدِ مَعَ النَّاسِ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا مِنْ مَرِيضٍ يَقْدِرُ عَلَى الِاعْتِكَافِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ إلَى مَوْضِعِ صَلَاةِ الْعِيدِ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا لِأَصْحَابِنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>