للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزَّكَاةُ فِي الْعَيْنِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ مَوْلَى الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ مُكَاتَبٍ لَهُ فَأَقْطَعَهُ بِمَالٍ عَظِيمٍ هَلْ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ فَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ إنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ لَمْ يَكُنْ يَأْخُذُ مِنْ مَالٍ زَكَاةً حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ إذَا أَعْطَى النَّاسَ أُعْطِيَّاتِهِمْ يَسْأَلُ الرَّجُلَ هَلْ عِنْدَك مِنْ مَالٍ وَجَبَتْ عَلَيْك فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ أَخَذَ مِنْ عَطَائِهِ زَكَاةَ ذَلِكَ الْمَالِ، وَإِنْ قَالَ لَا أَسْلَمَ إلَيْهِ عَطَاءَهُ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا مَالِكٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ قُدَامَةَ عَنْ أَبِيهَا أَنَّهُ قَالَ كُنْت إذَا جِئْت عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ أَقْبِضُ عَطَائِي سَأَلَنِي هَلْ عِنْدَك مِنْ مَالٍ وَجَبَتْ عَلَيْك فِيهِ الزَّكَاةُ قَالَ فَإِنْ قُلْت نَعَمْ أَخَذَ مِنْ عَطَائِي زَكَاةَ ذَلِكَ الْمَالِ، وَإِنْ قُلْت لَا دَفَعَ إلَيَّ عَطَائِي)

ــ

[المنتقى]

«جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرَابُهَا طَهُورًا» فَعَبَّرَ عَنْ الْأَرْضِ بِاسْمِ التُّرَابِ لَمَّا كَانَ أَعَمَّ أَجْزَائِهَا، وَالْحَرْثُ هَاهُنَا كُلُّ مَا لَا يَنْمُو وَلَا يَزْكُو إلَّا بِالْحَرْثِ وَالْعَمَلِ كَالثِّمَارِ وَالزَّرْعِ وَسَيَأْتِي تَمْيِيزُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْهَا مِمَّا لَا زَكَاةَ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[الزَّكَاةُ فِي الْعَيْنِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ]

(ش) : سُؤَالُهُ هَلْ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالٍ عَظِيمٍ قَاطَعَ بِهِ مُكَاتَبَهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سُؤَالًا عَنْ هَذَا النَّوْعِ مِنْ هَذَا الْمَالِ هَلْ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إلَّا أَنَّ جَوَابَ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ يَقْتَضِي أَنَّ سُؤَالَهُ إنَّمَا كَانَ عَنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ وَلِذَلِكَ أَجَابَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ يَأْخُذُ مِنْ مَالٍ زَكَاةً حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَوَصَفَ لَهُ الْمَالَ بِالْعِظَمِ لِيَدْخُلَ فِي حَيِّزِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَيَحْتَمِلُ الْمُسَاوَاةَ وَقَوْلُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ إنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ يَأْخُذُ مِنْ مَالٍ زَكَاةً حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ احْتِجَاجٌ بِفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ وَأَخْذٌ بِالْمَرَاسِيلِ، وَإِنَّمَا احْتَجَّ بِفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ الْخَلِيفَةَ وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَتَوَلَّى أَخْذَ الصَّدَقَاتِ مِنْ مَالِ الصَّحَابَةِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِعْلَهُ فِي ذَلِكَ مَعَ اجْتِهَادِهِ فِي طَلَبِ الصَّدَقَاتِ وَقِتَالِهِ الْمَانِعِينَ لِلزَّكَاةِ فَثَبَتَ أَنَّهُ إجْمَاعٌ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ إخْرَاجِهَا قَبْلَ الْحَوْلِ فَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْهُ، وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْعُتْبِيَّةِ مَنْ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ قَبْلَ الْحَوْلِ أَعَادَ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْحَوْلَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فَلَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ وُجُوبِهِ أَصْلُهُ النِّصَابُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَاحْتَجَّ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ فِي ذَلِكَ بِالصَّلَاةِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ لَوْ أَخَذَهُ السَّاعِي مِنْهُ جَبْرًا لَمْ يُجْزِهِ، وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ.

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَجُوزُ إخْرَاجُهَا قُرْبَ الْحَوْلِ فَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْحَوْلِ بِالشَّهْرِ وَنَحْوِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَأَبُو الْفَرَجِ بِالْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ تُكْرَهُ.

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ مَنْ لَقِيته مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٌ لَا تُجْزِئُهُ إلَّا فِيمَا قَرُبَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ أَوْ عَشْرَةً، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا تُجْزِئُهُ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ هُوَ الْحَوْلُ فَلِقُرْبِهِ تَأْثِيرٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ كَمَرَضِ الْمُوَرِّثِ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي مَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ الْحَوْلَ لَا يَعْتَبِرُ فِيهِ بِالسَّاعَةِ الَّتِي أُفِيدَ فِيهَا الْمَالُ وَلَا بِمِقْدَارِ مَا مَضَى مِنْهَا، وَإِنَّمَا يَعْتَبِرُ بِمَا قَرُبَ مِنْ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ الْيَوْمُ لَا يُعْتَبَرُ بِهِ وَمَا قَرُبَ مِنْهُ فَهُوَ فِي حُكْمِهِ فِي الْحَوْلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَا أَخَذَهُ مِنْ كِتَابَةٍ وَقِطَاعَةٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ يَقْبِضُهُ، وَإِنَّمَا ضُرِبَ الْحَوْلُ مِنْ يَوْمِ قَبْضِهِ الْمَالَ أَوْ قَبْضِ وَكِيلِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حِينَئِذٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ تَنْمِيَتِهِ، وَإِنَّمَا ضُرِبَ الْحَوْلُ لِلتَّنْمِيَةِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الِاعْتِبَارُ بِوَقْتِ التَّمَكُّنِ مِنْ التَّنْمِيَةِ وَهُوَ وَقْتُ الْقَبْضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>