للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

الْبَابُ الثَّانِي فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تُؤْخَذُ فِيهِ الصَّدَقَةُ.

أَمَّا مَوْضِعُ أَخْذِ صَدَقَةِ الْمَاشِيَةِ فَفِي مَوْضِعِ الْمَاشِيَةِ وَلَيْسَ عَلَى أَرْبَابِ الْمَاشِيَةِ نَقْلُهَا وَحَمْلُهَا إلَى الْمُصَّدِّقِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ الْمَشْهُورُ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَبْعَثُ أَصْحَابَهُ مُصَّدِّقِينَ إلَى الْجِهَاتِ وَلَا يَأْمُرُ النَّاسَ بِجَلْبِ مَوَاشِيهِمْ إلَى الْمَدِينَةِ فَيَتَوَلَّى هُوَ تَصْدِيقَهَا بِنَفْسِهِ وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ الضَّرُورَةَ عَلَى أَرْبَابِ الْمَاشِيَةِ فِي جَلْبِهَا وَجَمْعِهَا لِلصَّدَقَةِ أَشَدُّ مِنْ الضَّرُورَةِ عَلَى الْمُصَّدِّقِينَ فِي طَوَافِهِمْ عَلَى الْمَوَاشِي.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَكَذَلِكَ زَكَاةُ الْحَبِّ يُخْرَجُ إلَيْهِ فِي مَوَاضِعِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ النَّاسِ حَيْثُ حَصَدُوهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «وَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» فَإِذَا كَانَتْ تُدْفَعُ إلَى فُقَرَاءِ الْجِهَةِ الَّتِي أُخِذَتْ بِهَا فَلَا مَعْنَى لِنَقْلِهَا ثُمَّ تُرَدُّ إلَى مَوْضِعِهَا وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ فِي تَكْلِيفِهِمْ حَمْلَهُ زِيَادَةً عَلَيْهِمْ فِي الزَّكَاةِ وَرُبَّمَا لَمْ تَكُنْ لَهُ دَابَّةٌ وَلَا مَالٌ غَيْرُ مَا أَصَابَهُ مِنْ الطَّعَامِ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ نِصْفُ مَا حَصَدُوهُ أَوْ أَكْثَرُ.

[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تُفَرَّقُ فِيهِ الزَّكَاةُ]

أَمَّا مَوْضِعُ تَفْرِيقِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ حَيْثُ تُؤْخَذُ مِنْ أَرْبَابِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ بِمَوْضِعٍ لَا فُقَرَاءَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ بِالْمَوْضِعِ فُقَرَاءُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ أَهْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَشَدَّ حَاجَةً مِنْ غَيْرِهِمْ أَوْ حَاجَتُهُمْ كَحَاجَةِ غَيْرِهِمْ أَوْ تَكُونَ حَاجَةُ غَيْرِهِمْ أَشَدَّ فَإِنْ كَانَتْ حَاجَتُهُمْ أَشَدَّ أَوْ مُسَاوِيَةً لِحَاجَةِ غَيْرِهِمْ فَأَهْلُ مَوْضِعِ الصَّدَقَةِ أَوْلَى بِصَدَقَتِهِمْ حَتَّى يَغْنَوْا أَوْ لَا يُنْقَلَ مِنْهَا إلَّا مَا فَضَلَ عَنْهُمْ، وَإِنْ كَانَتْ حَاجَةُ غَيْرِهِمْ أَشَدَّ فُرِّقَ مِنْ الصَّدَقَةِ بِمَوْضِعِهَا بِمِقْدَارِ مَا يَرَى الْإِمَامُ وَيُنْقَلُ سَائِرُهَا إلَى مَوْضِعِ الْحَاجَةِ هَذَا الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَفِي الْمَجْمُوعَةِ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَبْعَثَ الرَّجُلُ بِبَعْضِ زَكَاتِهِ إلَى الْعِرَاقِ، ثُمَّ إنْ هَلَكَتْ فِي الطَّرِيقِ لَمْ يَضْمَنْ فَإِذَا كَانَتْ الْحَاجَةُ كَثِيرَةً بِمَوْضِعِهِ أَحْبَبْت أَنْ لَا تُبْعَثَ وَهَذَا إبَاحَةٌ لِإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ عَنْ مَوْضِعِهَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ نَقْلُ الصَّدَقَاتِ عَنْ مَوَاضِعِهَا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» فَإِنْ قِيلَ بِأَنَّ هَذَا يَقْتَضِي نَقْلَهَا مِنْ عَدَنٍ إلَى الْيَمَنِ؛ لِأَنَّهُ خَاطَبَ بِذَلِكَ أَهْلَ الْيَمَنِ وَعَدَنَ مِنْ الْيَمَنِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْ أَغْنِيَاءِ مَنْ يُعْلِمُهُ بِذَلِكَ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يُخَاطِبُ بِذَلِكَ أَهْلَ كُلِّ بَلَدٍ فَيَقْتَضِي ذَلِكَ رَدَّ زَكَاةِ أَغْنِيَائِهِ عَلَى فُقَرَائِهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا نَقَلَ صَدَقَتَهُ إلَى غَيْرِ بَلَدِهَا فَلَمْ يَجُزْ لَهُ تَفْرِقَتُهَا مَعَ وُجُودِ الْحَاجَةِ بِبَلَدِ الصَّدَقَةِ أَصْلُهُ إذَا تَوَلَّى قَسْمَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ.

وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: ٦٠] الْآيَةُ وَلَمْ يَخُصَّ بَلَدًا دُونَ غَيْرِهِ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَالٌ لَزِمَ إخْرَاجُهُ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ فَلَمْ يَخْتَصَّ بِهِ فُقَرَاءُ بَلَدٍ دُونَ بَلَدٍ آخَرَ كَكَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِاخْتِصَاصِ إخْرَاجِهَا بِمَوْضِعِ الْمَالِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً بِأَرْبَعَةِ أَقَالِيمَ عَشْرَةٌ بِالْأَنْدَلُسِ وَعَشْرَةٌ بِأَفْرِيقِيَّةَ وَعَشْرَةٌ بِمِصْرَ وَعَشْرَةٌ بِالْعِرَاقِ وَكَانَ الْوُلَاةُ عُدُولًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْبِرَهُمْ بِذَلِكَ وَيَدْفَعَ إلَى كُلِّ أَمِيرٍ رُبُعَ شَاةٍ فِي شَاةٍ يُشَارِكُهُ فِيهَا، وَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ رُبُعَ قِيمَةِ شَاةٍ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ الْوُلَاةُ غَيْرَ عُدُولٍ فَلْيُخْرِجْ هُوَ مَا يَلْزَمُهُ عَلَى مَا أَعْلَمْتُك، وَإِنْ كَانَ لَهُ خَمْسَةُ أَوَاقٍ فِي بِلَادٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَلْيُعْطِ كُلَّ أَمِيرٍ زَكَاةَ مَالِهِ بِبَلَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا عُدُولًا أَخْرَجَ هُوَ مَا يَلْزَمُهُ عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ يُرِيدُ فِي كُلِّ بَلَدٍ زَكَاةُ مَالِهِ فِيهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ لَا يَجُوزُ نَقْلُهَا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ إلَّا لِعُذْرٍ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَنْقُلَ زَكَاتَهُ إلَى مَا يَقْرُبُ وَيَكُونَ فِي حُكْمِ مَوْضِعِ وُجُوبِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَوْضِعِ وُجُوبِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَخُصَّ بِذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>