للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَالِكٌ السُّنَّةُ عِنْدَنَا، وَاَلَّذِي أَدْرَكْت عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّهُ لَا يُضَيَّقُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي زَكَاتِهِمْ وَأَنْ يُقْبَلَ مِنْهُمْ مَا دَفَعُوا مِنْ زَكَاةِ أَمْوَالِهِمْ) .

آخِذُ الصَّدَقَةِ وَمَنْ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهَا (ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا أَوْ لِغَارِمٍ أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ أَوْ رَجُلٍ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ فَتُصُدِّقَ عَلَى الْمِسْكِينِ فَأَهْدَى الْمِسْكِينُ لِلْغَنِيِّ» ) .

(ص) : (مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ مِنْ الْوَالِي فَأَيُّ الْأَصْنَافِ كَانَتْ فِيهِ الْحَاجَةُ وَالْعَدَدُ أُوثِرَ ذَلِكَ الصِّنْفُ بِقَدْرِ مَا يَرَى الْوَالِي وَعَسَى أَنْ يَنْتَقِلَ ذَلِكَ إلَى الصِّنْفِ الْآخَرِ بَعْدَ عَامٍ أَوْ عَامَيْنِ أَوْ أَعْوَامٍ فَيُؤْثِرُ أَهْلَ الْحَاجَةِ وَالْعَدَدِ حَيْثُمَا كَانَ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا أَدْرَكْت مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ)

ــ

[المنتقى]

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ تَجِبُ مُسَامَحَةُ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ فِي الزَّكَاةِ وَأَخْذُ عَفْوِهِمْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَحَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَمِمَّنْ خَرَجَ مُصَّدِّقًا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ أَيَقْسِمُ الْمُصَّدِّقُ الْمَاشِيَةَ وَيَقُولُ لِصَاحِبِهَا آخُذُ مِنْ أَيُّهَا شِئْت فَقَالَ لَا وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ التَّعْيِينَ لِصَاحِبِ الْمَاشِيَةِ كَسَائِرِ الزَّكَاةِ.

[آخِذُ الصَّدَقَةِ وَمَنْ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهَا]

(ش) : وَقَوْلُهُ «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ» يُرِيدُ صَدَقَةَ الْأَمْوَالِ الْوَاجِبَةَ فِيهَا لَا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ وَلَمْ يُرِدْ الصَّدَقَةَ الْمُبْتَدِلَةَ مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ فَإِنَّ تِلْكَ بِمَنْزِلَةِ الْهَدِيَّةِ تَحِلُّ لِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا لِخَمْسَةٍ، ثُمَّ فَسَّرَ فَقَالَ لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَذَكَرَهُمْ فَبَيَّنَ أَنَّ الصَّدَقَةَ تَحِلُّ لِهَؤُلَاءِ الْخَمْسَةِ مَعَ كَوْنِهِمْ أَغْنِيَاءَ، وَإِنْ كَانَ وَجْهُ إبَاحَةِ الصَّدَقَةِ لَهُمْ تَخْتَلِفُ فَأَمَّا الْغَازِي فَمُبَاحَةٌ لَهُ عَلَى وَجْهِ الْمَعُونَةِ لَهُ عَلَى عَدُوِّهِ وَرُبَّمَا كَانَ غِنَاؤُهُ يَبْلُغُ بِهِ الْعَدَدَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ مِنْهُ مَا يَقْوَى بِهِ فِي نِهَايَةِ فَرَاهَةِ فَرَسِهِ وَجَوْدَةِ سِلَاحِهِ وَآلَتِهِ وَلَيْسَ كُلُّ غِنًى يَبْلُغُ بِهِ الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ يَكُونُ عِنْدَهُ مِنْ الْغِنَى مَا يُبَلِّغُهُ النِّهَايَةَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يَضُرُّ بِحَالِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَيَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ إبْقَاءً لِمَالِهِ وَالْمُسْلِمُونَ مَحَاوِيجُ إلَى غَزْوِهِ وَنُصْرَتِهِ وَأُبِيحَ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ لِيَبْلُغَ مِنْ غَزْوِهِ بِهَا مَا لَا يَبْلُغُهُ بِمَالِهِ وَأَمَّا الْعَامِلُ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا عَلَى وَجْهِ الْعِوَضِ مِنْ عَمَلِهِ وَالصَّدَقَةِ عَلَيْهِ وَلَيْسَتْ لِمُجَرَّدِ الْإِجَارَةِ وَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ عَلَيْهَا مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهَا مِنْ هَاشِمِيٍّ أَوْ ذِمِّيٍّ وَيَجُوزُ أَنْ يُسْتَأْجَرَ عَلَى حِرَاسَتِهَا وَسَوْقِهَا لَمَّا كَانَتْ تِلْكَ إجَارَةً مَحْضَةً وَأَمَّا الْغَارِمُ فَإِنَّمَا تُدْفَعُ إلَيْهِ مَعُونَةً عَلَى غَرَامَتِهِ وَهُوَ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ وَسَيَأْتِي وَصْفُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ الْأَصْنَافِ وَذِكْرُ أَحْكَامِهِمْ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا مَنْ ذَكَرْنَا فَمَنْ أَعْطَاهَا غَنِيًّا عَالِمًا بِغِنَاهُ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ وَمَنْ أَعْطَاهَا جَاهِلًا بِغِنَاهُ وَهُوَ يَعْتَقِدُ فِيهِ الْفَقْرَ فَهَلْ تُجْزِئُهُ أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَضْمَنُ إنْ دَفَعَهَا لِغَنِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ.

وَقَالَ فِي الْأَسَدِيَّةِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.

وَجْهُ إثْبَاتِ الضَّمَانِ أَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا لِغَيْرِهِ فَكَانَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ إذَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ كَالْمَاشِي فِي الطَّرِيقِ يَطَأُ ثَوْبَ غَيْرِهِ فَيَخْرِقُهُ.

وَوَجْهُ نَفْيِ الضَّمَانِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِدَفْعِهِ فَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَهُوَ غَيْرُ ضَامِنٍ كَالْوَكِيلِ عَلَى دَفْعِهِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا مَنْ اشْتَرَى الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ فَلَيْسَ مِنْ بَابِ دَفْعِ الصَّدَقَةِ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا الصَّدَقَةُ قَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا بِدَفْعِهَا إلَى الْفَقِيرِ، ثُمَّ ابْتَاعَهَا الْغَنِيَّ بِمَالِهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَهْدَاهَا إلَيْهِ الْفَقِيرُ فَإِنَّهَا لَمْ تَصِرْ إلَيْهِ بِوَجْهِ الصَّدَقَةِ، وَإِنَّمَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ بَعْدَ أَنْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا وَكَمُلَ فِيهَا أَدَاءُ فَرْضِ الزَّكَاةِ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ قَسْمَ الصَّدَقَاتِ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِهَادِ مِنْ الْوَالِي وَذَلِكَ أَنَّ الصَّدَقَاتِ يَسْتَحِقُّهَا الْمُسْلِمُونَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: ٦٠]

<<  <  ج: ص:  >  >>