للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ عَلَى الصَّدَقَاتِ فَرِيضَةٌ مُسَمَّاةٌ إلَّا عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى الْإِمَامُ) .

مَا جَاءَ فِي أَخْذِ الصَّدَقَاتِ وَالتَّشْدِيدِ فِيهَا (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا لَجَاهَدَتْهُمْ عَلَيْهِ) .

ــ

[المنتقى]

كَانُوا فِي عِيَالِهِ فَقَدْ رَوَى مُطَّرِفٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا يَضْمَنُ إنْ لَمْ يَقْطَعْ عَنْ نَفْسِهِ بِذَلِكَ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِمْ.

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فَإِنْ قَطَعَ بِذَلِكَ الْإِنْفَاقَ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يُجْزِئُهُ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ انْتَفَعَ بِزَكَاةِ مَالِهِ حَيْثُ قَطَعَ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ نَفَقَةَ مَنْ قَدْ كَانَ الْتَزَمَ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ وَالْقِيَامَ بِهِ وَأَظْهَرَ الْإِحْسَانَ إلَيْهِمْ وَاسْتَعَانَ عَلَى ذَلِكَ بِزَكَاةِ مَالِهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ فَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ إنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ إذَا وَلَّى غَيْرَهُ إخْرَاجَ زَكَاتِهِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ إذَا تَوَلَّى هُوَ إخْرَاجَ زَكَاتِهِ فَرَوَى عَنْهُ مُطَّرِفٌ أَنَّ مَالِكًا كَانَ يُعْطِي قَرَابَتَهُ مِنْ زَكَاتِهِ وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنْهُ أَنَّ أَفْضَلَ مَنْ وَضَعْت فِيهِمْ زَكَاتَك أَهْلُ رَحِمِك الَّذِينَ لَا تَعُولُ.

وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْكَرَاهِيَةَ تَتَوَجَّهُ فِي ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ صِلَةَ أَقَارِبِهِ وَصَرْفَ مَذَمَّتِهِمْ عَنْهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَمِيلَ بِهِ حُبُّ أَقَارِبِهِ إلَى إيثَارِهِمْ.

وَوَجْهُ رِوَايَةِ مُطَّرِفٍ وَالْوَاقِدِيِّ أَنَّ إخْرَاجَ الزَّكَاةِ مَبْنِيٌّ عَلَى صَرْفِهَا إلَى مَنْ يَخْتَصُّ بِمَنْ يُخْرِجُهَا مَا لَمْ تَلْزَمْهُ نَفَقَتُهُ وَلِذَلِكَ اخْتَصَّتْ بِأَهْلِ الْبَلَدِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» .

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ أَعْطَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا الْفَقِيرَ مِنْ صَدَقَةِ مَالِهَا فَهَلْ تُجْزِئُهَا أَمْ لَا؟ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُهَا.

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ صُرِفَ ذَلِكَ فِي مَنَافِعِهَا لَمْ يُجْزِهَا، وَإِنْ لَمْ يُصْرَفْ ذَلِكَ فِي مَنَافِعِهَا وَكَانَ مُحْتَاجًا أَجْزَأَهَا وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ.

وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَوَازِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى بَنِيهِ فَجَازَ لَهَا صَرْفُ زَكَاتِهَا إلَيْهِ كَالْأَجْنَبِيِّ.

وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْمَنْعِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَسْتَحِقُّ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ فَكَانَ لَهَا أَنْ تُعْطِيَ صَدَقَتَهَا غَرِيمَهَا لِيَسْتَعِينَ بِهَا عَلَى أَدَاءِ دَيْنِهَا.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَيْسَ لِمَا يُعْطَى الْعَامِلُ عَلَى الصَّدَقَةِ حَدٌّ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ إلَى اجْتِهَادِهِ فَيَجْتَهِدُ فِي أَمْرِهِ عَلَى بُعْدِ سَعْيِهِ وَقُرْبِهِ وَمَشَقَّتِهِ وَيَسَارَتِهِ وَقِلَّتِهِ وَمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْمُؤْنَةِ فِي ذَلِكَ لِنَفَقَتِهِ فَإِنْ أَعْطَاهُ نَفَقَةً مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قَصَرَ مِنْ عَطَائِهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُعْطِهِ نَفَقَةً زَادَ فِي عَطَائِهِ.

[مَا جَاءَ فِي أَخْذِ الصَّدَقَاتِ وَالتَّشْدِيدِ فِيهَا]

(ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ الْعِقَالُ الْقُلُوصُ وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْعِقَالُ وَاحِدُ الْعُقُلِ الَّتِي يُعْقَلُ بِهَا الْإِبِلُ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُعْطِي الْبَعِيرَ فِي الزَّكَاةِ يَلْزَمُهُ أَنْ يُعْطِيَ مَعَهُ عِقَالَهُ فَيَقُولُ لَوْ أَعْطُونِي الْبَعِيرَ وَمَنَعُونِي عِقَالَهُ الَّذِي يُعْقَلُ بِهِ لَجَاهَدَتْهُمْ عَلَيْهِ.

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَأْخُذُ مَعَ كُلِّ فَرِيضَةٍ عِقَالًا وَرَوَاءَ الْخَيْلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ قَصَدَ بِذَلِكَ الْمُبَالَغَةَ فِي تَتَبُّعِ الْحَقِّ وَأَنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْهُمْ إلَّا جَمِيعَ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ فِي الشَّاةِ، وَاَللَّهِ لَا تَرَكْتُ مِنْهَا شَعْرَةً وَلَا يُرِيدُ بِذَلِكَ الشَّعْرَةَ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَتَبُّعُهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا لَوْ مَنَعُونِي مَا يُسَاوِي عِقَالًا وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ مَا يُعْطِيه يُقَصِّرُ عَنْ حَقِّهِ الَّذِي لَا يَجُوزُ التَّقْصِيرُ عَنْهُ بِقِيمَةِ الْعِقَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ وَلَا التَّجَارُزُ فِيهِ.

وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْعِقَالُ صَدَقَةُ عَامٍ.

وَرُوِيَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ بَعَثَ عَمْرَو بْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ ابْنُ أَخِيهِ سَاعِيًا عَلَى كُلَيْبٍ فَأَسَاءَ فِيهِمْ السِّيرَةَ فَقَالَ شَاعِرُهُمْ

سَعَى عِقَالًا فَلَمْ يَتْرُكْ لَنَا سَبَدًا ... فَكَيْفَ لَوْ قَدْ سَعَى عَمْرٌو عِقَالَيْنِ

لَأَصْبَحَ الْقَوْمُ أَوْبَادًا وَلَمْ يَجِدُوا ... عِنْدَ التَّحَمُّلِ لِلْهَيْجَا جِمَالَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>