للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّهُ يَجْمَعُهَا وَيُؤَدِّي زَكَاتَهَا) .

زَكَاةُ الْحُبُوبِ وَالزَّيْتُونِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ عَنْ الزَّيْتُونِ فَقَالَ فِيهِ الْعُشْرُ قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ الزَّيْتُونِ الْعُشْرُ بَعْدَ أَنْ يُعْصَرَ وَيَبْلُغَ زَيْتُونُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَمَا لَمْ يَبْلُغْ زَيْتُونُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ)

ــ

[المنتقى]

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ إذَا كَانَتْ لِرَجُلٍ قِطَعُ أَمْوَالٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَكَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ لَا يَبْلُغُ مَا يُقَوَّمُ مِنْهَا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَإِذَا جُمِعَ مَا يَخْرُجُ مِنْ جَمِيعِهَا كَانَ فِيهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَإِنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَهَا وَاحِدٌ كَالْمَاشِيَةِ وَالْعَيْنِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ إشْرَاكٌ فِي أَمْوَالٍ مُتَفَرِّقَةٍ يَكُونُ الْمَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلِّ شَرِيكٍ مِنْهُمْ عَلَى السَّوَاءِ وَلَا يَبْلُغُ مَالُ كُلِّ شَرِيكٍ مِنْهُمْ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِذَا كَانَ فِي جَمِيعِ حِصَّتِهِ مِنْ تِلْكَ الْأَمْوَالِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَّى دُونَ إشْرَاكِهِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ يَلْزَمُهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ.

(فَرْعٌ) وَإِنَّمَا يُجْمَعُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مَا كَانَ فِي إبَّانٍ وَاحِدٍ وَوَقْتٍ وَاحِدٍ فَيُضَمُّ بِكْرُهُ إلَى مُؤَخَّرِهِ فَإِذَا كَانَتْ لَهُ أَرَضُونَ كَثِيرَةٌ وَزَرَعَ بَعْضَهَا فِي أَوَّلِ الشِّتَاءِ وَبَعْضَهَا فِي آخِرِهِ وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنْ الزِّرَاعَةِ الَّتِي يُضَافُ إلَى الشِّتَاءِ جَمَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي الزَّكَاةِ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ الصَّيْفِ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْبِلَادِ الَّتِي يُزْرَعُ فِيهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَزَرَعَ فِي الصَّيْفِ صِنْفًا فَحَصَدَ مِنْهُ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ وَزَرَعَ مِنْ ذَلِكَ الصِّنْفِ فِي الشِّتَاءِ فَحَصَدَ مِنْهُ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ إلَّا أَنَّهُ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا حَصَدَهُ فِي الصَّيْفِ كَانَ نِصَابًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ زِرَاعَتَانِ لَا تُضَافُ إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى فِي الْوَقْتِ وَالْعَمَلِ فَلَا يُضَافُ إلَيْهَا فِي الزَّكَاةِ كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي عَامَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا كَانَتْ الزِّرَاعَتَانِ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ وَكَانَتْ إحْدَاهُمَا فِي الصَّيْفِ وَالْأُخْرَى فِي الشِّتَاءِ فَلَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا تُجْمَعُ إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى، وَإِنْ كَانَتَا جَمِيعًا فِي الصَّيْفِ أَوْ فِي الشِّتَاءِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ لَا تُجْمَعُ إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى قَالَ سَحْنُونٌ يُجْمَعَانِ.

وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الزِّرَاعَةَ الثَّانِيَةَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مِنْ بَذْرِ الْأُولَى فَلَا تُضَافُ إلَيْهَا وَلِذَلِكَ لَا يُضَافُ زَرْعُ عَامٍ إلَى عَامٍ.

وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّ هَذَيْنِ حَصَادَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَضَمَّ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي أَرْضَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ.

[زَكَاةُ الْحُبُوبِ وَالزَّيْتُونِ]

(ش) : قَوْلُهُ فِي الزَّيْتُونِ الْعُشْرُ هُوَ قَوْلُ جَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ أَنْ لَا زَكَاةَ فِيهِ وَلَا شَيْءَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا يَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: ١٤١] ، وَالْحَقُّ هَاهُنَا هُوَ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ وَاجِبٌ غَيْرُهُ وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» وَهَذَا عَامٌّ فَنَحْمِلُهُ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مُقْتَاتٌ بِزَيْتِهِ فَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالسِّمْسِمِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ مَالِكٍ إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ الزَّيْتُونِ الْعُشْرُ بَعْدَ أَنْ يُعْصَرَ وَيَبْلُغَ زَيْتُونُهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي نِصَابِهِ إنَّمَا هُوَ بِالْكَيْلِ لَا يَتَهَيَّأُ إلَّا فِي الْحَبِّ فَإِذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَقَدْ كَمُلَ النِّصَابُ وَإِذَا قَصَرَ عَنْ الْخَمْسَةِ الْأَوْسُقِ فَقَدْ قَصَرَ النِّصَابُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، وَإِنَّمَا أَمَرْنَاهُ بِإِخْرَاجِهِ زَيْتًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ دَفْعُهُ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ ادِّخَارُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ مِنْهُ كَالتَّمْرِ وَالْحَبِّ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَأَمَّا السِّمْسِمُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُبُوبِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ لِسَبَبِ زَيْتِهَا فَإِنْ عَصَرَهَا فَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>