للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَحْرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» ) .

ــ

[المنتقى]

[الطَّهُورُ لِلْوُضُوءِ]

(ش) : قَوْلُهُ إنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ يُحْتَمَلُ أَنَّ مَا يَرْكَبُونَهُ لَا يَحْمِلُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِغَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ فَيَكُونُ اقْتِصَارُهُمْ عَلَى قَلِيلِ الْمَاءِ لِهَذَا الْوَجْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ وَيَكُونُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لِلضَّرُورَةِ قَوْلُهُ فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَطَشَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي تَرْكِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْمُعَدِّ لِلشُّرْبِ وَلِذَلِكَ أَقَرَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى التَّعَلُّقِ بِهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الطَّهُورُ يَعْنِي الَّذِي يَتَكَرَّرُ التَّطْهِيرُ بِهِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى طَهُورٍ طَاهِرًا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْأَلُوهُ هَلْ هُوَ طَاهِرٌ وَإِنَّمَا سَأَلُوهُ هَلْ هُوَ مُطَهِّرٌ فَأَجَابَهُمْ بِأَنَّهُ طَهُورٌ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ لَفْظَ طَهُورٍ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى مُطَهِّرٍ وَلَا يَكُونُ مُطَهِّرًا حَتَّى يَكُونَ مَاءً طَاهِرًا وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ التَّطْهِيرِ بِمَاءِ الْبَحْرِ إلَّا مَا يُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ.

وَقَدْ أَنْكَرَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَوْلًا لِأَحَدٍ وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِ التَّطْهِيرِ بِهِ هَذَا الْحَدِيثُ وَهُوَ نَصٌّ فِي الْحُكْمِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) وَالْمِيَاهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ مُطْلَقٌ وَمُضَافٌ فَالْمُطْلَقُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ بِمُخَالَطَةِ مَا لَيْسَ بِقَرَارٍ لَهُ وَيَنْفَكُّ الْمَاءُ عَنْهُ غَالِبًا كَمَاءِ السَّمَاءِ وَالْآبَارِ وَالْأَنْهَارِ وَالْعُيُونِ وَالْبَحْرِ وَهَذَا هُوَ الطَّاهِرُ الْمُطَهِّرُ وَكَذَلِكَ مَا تَغَيَّرَ مِنْ الْمِيَاهِ وَالتُّرَابِ وَالْحَمْأَةِ الَّذِي هُوَ قَرَارٌ لَهَا وَكَذَلِكَ مَا جَرَى مِنْ الْمِيَاهِ عَلَى كُحْلٍ أَوْ نُورَةٍ أَوْ شَبٍّ أَوْ كِبْرِيتٍ أَوْ زَاجٍّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ يُغَيِّرُ صِفَاتِهِ وَعَلَى ذَلِكَ عَمَلُ النَّاسِ فِي الْحَمَّامَاتِ وَكَذَلِكَ مَا تَغَيَّرَ بِالطُّحْلُبِ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكَّ الْمَاءُ عَنْهُ غَالِبًا وَأَمَّا إذَا سَقَطَ وَرَقُ الشَّجَرِ أَوْ الْحَشِيشُ فِي الْمَاءِ فَتَغَيَّرَ فَإِنَّ مَذْهَبَ شُيُوخِنَا الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ الْوُضُوءُ بِهِ.

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْإِبْيَانِيُّ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مِمَّا لَا يَنْفَكُّ الْمَاءُ عَنْهُ غَالِبًا وَلَا يُمْكِنُ التَّحَفُّظُ مِنْهُ وَيَشُقُّ تَرْكُ اسْتِعْمَالِهِ كَالطُّحْلُبِ.

وَقَدْ رَوَى فِي الْمَجْمُوعَةِ ابْنُ غَانِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي غُدُرٍ تَرِدُهَا الْمَاشِيَةُ فَتَبُولُ فِيهَا وَتَرُوثُ فَتُغَيِّرُ طَعْمَ الْمَاءِ وَلَوْنَهُ لَا يُعْجِبُنِي الْوُضُوءُ بِهِ وَلَا أُحَرِّمُهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَنْفَكُّ الْمَاءُ عَنْهُ غَالِبًا وَلَا يُمْكِنُ مَنْعُهُ مِنْهُ وَأَمَّا مُخَالَطَةُ الْمِلْحِ الْمَاءَ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ الْمِلْحُ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَلَيْهِ فَإِذَا غُيِّرَ الْمَاءُ يُمْنَعُ الْوُضُوءُ بِهِ.

وَقَدْ رَأَيْت الشَّيْخَ أَبَا مُحَمَّدٍ وَأَبَا الْحَسَنِ اخْتَلَفَا فِي مَسْأَلَةِ الْمِلْحِ يُخَالِطُ الْمَاءَ فَأَجَازَ أَحَدُهُمَا الْوُضُوءَ بِهِ وَمَنَعَهُ الْآخَرُ وَلَمْ يَفْصِلَا وَيُحْتَمَلُ كَلَامُ شُيُوخِنَا الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ الْمِلْحَ الْمَعْدِنِيَّ هُوَ الَّذِي حُكْمُهُ حُكْمُ التُّرَابِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَأَمَّا مَا يَجْمُدُ لِصَنْعَةِ آدَمِيٍّ فَقَدْ دَخَلَتْهُ الصِّنَاعَةُ الْمُعْتَادَةُ فَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ وَإِنْ غُيِّرَ الْمَاءُ بِمُخَالَطَتِهِ مُنِعَ الْوُضُوءُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الْمُضَافُ مِنْ الْمِيَاهِ فَهُوَ فِي اللُّغَةِ مَا خَالَطَهُ غَيْرُهُ وَكَانَ مُضَافًا إلَيْهِ وَلَكِنَّهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَلَا سِيَّمَا الْمَالِكِيِّينَ وَاقِعٌ عَلَى مَا تَغَيَّرَتْ صِفَاتُهُ بِمَا أُضِيفَ إلَيْهِ فَأَمَّا مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ صِفَاتُهُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُخَالِطَهُ طَاهِرٌ أَوْ نَجِسٌ فَإِنْ خَالَطَهُ طَاهِرٌ كَالْيَسِيرِ مِنْ الْخَلِّ وَالْعَسَلِ وَالْمَذْيِ فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ نَعْلَمُهُ فِي أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ الطَّهَارَةُ بِهِ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ لَا يُطَهِّرُ وَإِذَا تَوَضَّأَ مُكَلَّفٌ بِالْمَاءِ وَأَزَالَ بِهِ حُكْمَ الْحَدَثِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ تُعَادَ بِهِ طَهَارَةٌ لِلْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ تَوَضَّأَ بِهِ وَأَجْزَأَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ إلَّا أَصْبَغَ فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ تَأْوِيلًا عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيَتَيَمَّمُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: ٤٨] وَطَهُورٌ عَلَى مِثَالِ شَكُورٍ وَصَبُورٍ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يَكْثُرُ مِنْهُ الْفِعْلُ وَهَذَا يَقْتَضِي تَكْرَارَ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ رَفْعَ الْحَدَثِ بِالْمَاءِ مَرَّةً لَا يَمْنَعُ مِنْ رَفْعِهِ بِهِ ثَانِيَةً كَرَفْعِهِ مِنْ آخِرِ الْعُضْوِ بَعْدَ تَطْهِيرِ أَوَّلِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>