للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ «عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَهُ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَا تَبْتَعْهُ وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِك» ) .

ــ

[المنتقى]

عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا تَشْتَرِهِ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا يَكُونُ بِاخْتِيَارِ الْمَمْنُوعِ، فَأَمَّا مَا يَقَعُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَلَا يَصِحُّ النَّهْيُ عَنْهُ وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ مِمَّنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِمَا تَصَدَّقَ بِهِ فَلَا تَقْبَلْهُ وَلَا تَرْتَجِعْهُ بِهِبَةٍ وَلَا إجَارَةٍ وَلَا عَارِيَّةٍ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الْمِيرَاثُ فَلَا بَأْسَ لِمَنْ عَادَتْ إلَيْهِ صَدَقَتُهُ بِالْمِيرَاثِ أَنْ يَسْتَدِيمَ مِلْكَهَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ لَيْسَ بِرَاجِعٍ فِي صَدَقَتِهِ وَلَا مُتَّهَمٍ فِي ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعْنَاهُ عِنْدِي أَنَّهُ لَمْ يَتَمَلَّكْهَا وَإِنَّمَا الشَّرْعُ قَضَى لَهُ وَعَلَيْهِ بِذَلِكَ وَلَوْ أَرَادَ الِامْتِنَاعَ مِنْ قَبْضِهَا لَأُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ تَصَدَّقَ غَازٍ عَلَى رَجُلٍ بِدَرَاهِمَ ثُمَّ تَرَافَقَا فَأَخْرَجَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ نَفَقَةً مِنْ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ هَذَا مِمَّا يَبْقَى.

وَقَدْ «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي لَحْمِ بَرِيرَةَ هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَرَافِقَيْنِ لَمْ يَبِعْ شَيْئًا مِنْ نَفَقَتِهِ بِنَفَقَةِ الْآخَرِ وَإِنَّمَا تَشَارَكَا عَلَى أَنْ بَقِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِصَّتِهِ ثُمَّ يُمَيِّزُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقَّهُ يَأْكُلُهُ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا حُكْمَ بَرِيرَةَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا كَانَ اللَّحْمُ مِمَّا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، ثُمَّ لَمَّا أَبَاحَتْهُ هِيَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ ذَلِكَ هَدِيَّةً مِنْهَا إلَيْهِ.

[الْبَابُ الْخَامِسُ فِي حُكْمِ الِارْتِجَاعِ] ١

أَمَّا حُكْمُ الِارْتِجَاعِ إذَا وَقَعَ فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ قَدْ أَجَازَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ شِرَاءَ الرَّجُلِ صَدَقَتَهُ وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ فَإِنْ نَزَلَ عِنْدَنَا لَمْ نَفْسَخْهُ وَبِهَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ.

وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ يُفْسَخُ الشِّرَاءُ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ وَالْقَوْلَانِ يَتَخَرَّجَانِ مِنْ الْمَذْهَبِ فَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمَوَّازِ فِي الْمُدِيرِ أَوْ غَيْرِ الْمُدِيرِ يُخْرِجُ فِي زَكَاتِهِ عَرَضًا لَا يُجْزِيهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيُجْزِئُهُ عِنْدَ أَشْهَبَ إذَا لَمْ يُحَابِ عَنْ نَفْسِهِ، بِئْسَ مَا صَنَعَ.

وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مُعَارَضَةُ الْمُزَكِّي بِزَكَاتِهِ لَا تُنَافِي صِحَّةَ الْمِلْكِ، أَصْلُ ذَلِكَ إذَا أَخْرَجَ وَرِقًا عَنْ ذَهَبٍ.

وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنْ يَشْتَرِيَ صَدَقَتَهُ وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْبَيْعِ إذَا كَانَ لِحَقِّ اللَّهِ اقْتَضَى فَسَادَهُ كَالْبَيْعِ وَقْتَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ «عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَهُ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَا تَبْتَعْهُ وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِك» ) .

(ش) : قَوْلُهُ لَا تَبْتَعْهُ وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِك سَمَّى الِابْتِيَاعَ عَوْدًا إمَّا لِأَنَّهُ يُحْبَسُ فَرَأَى أَنَّ ابْتِيَاعَهُ نَقْضٌ لِتَحْبِيسِهِ فَهُوَ عَوْدُهُ فِيهِ وَإِمَّا لِأَنَّهُ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ لِمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ فَسَمَّى الِابْتِيَاعَ عَوْدًا؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْهُ لِلَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ يُعِيدُهُ إلَى مِلْكِهِ وَهَذَا مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ مَنْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْ شَيْءٍ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ لَا يَعُودَ إلَى مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْعَوْدِ فِي الصَّدَقَةِ.

ص (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَوَجَدَهَا مَعَ غَيْرِ الَّذِي تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ تُبَاعُ أَيَشْتَرِيهَا فَقَالَ تَرْكُهَا أَحَبُّ إلَيَّ) .

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ؛ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ عَلَى رَجُلٍ ثُمَّ وَجَدَهَا بِيَدِ غَيْرِهِ فَابْتِيَاعُهُ إيَّاهَا مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْهَا لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مُضَارِعٌ لِلرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَفِي الْمُزَنِيَّة مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ دِينَارٍ عَنْ مَالِكٍ مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةِ تَطَوُّعٍ عَلَى آخَرَ، ثُمَّ وَجَدَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا زَادَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَلَا يَشْتَرِيهَا مِنْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ وَلَا يَدُسُّ مَنْ يَشْتَرِيهَا مِنْهُ.

وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا تَقَدَّمَ.

وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْمُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ رُبَّمَا سَامَحَهُ فِي بَعْضِ الثَّمَنِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ صَدَقَتِهِ عَلَيْهِ، وَالْأَجْنَبِيُّ لَا يُتَوَقَّعُ ذَلِكَ مِنْهُ غَالِبًا وَلَوْ وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُ لَمَا كَانَ فِي مَعْنَى الرُّجُوعِ فِي الصَّدَقَةِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنَّمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>