للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ إلَّا مِنْ احْتِلَامٍ) .

(ص) : (مَالِكٌ سَمِعْت أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَغْسِلَ الرَّجُلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ بِالْغَاسُولِ بَعْدَ أَنْ يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَقَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَقَدْ حَلَّ لَهُ قَتْلُ الْقَمْلِ وَحَلْقُ الشَّعْرِ وَإِلْقَاءُ التَّفَثِ وَلُبْسُ الثِّيَابِ) .

مَا يُنْهَى عَنْهُ مِنْ لُبْسِ الثِّيَابِ فِي الْإِحْرَامِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ «رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَلْبَسُوا الْقُمُصَ وَلَا الْعَمَائِمَ وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ وَلَا الْبَرَانِسَ وَلَا الْخِفَافَ إلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَلَا تَلْبَسُوا مِنْ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ أَوْ الْوَرْسُ» )

ــ

[المنتقى]

(ش) : وَقَوْلُهُ كَانَ لَا يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ إلَّا مِنْ احْتِلَامٍ ظَاهِرُهُ أَنَّ غُسْلَهُ لِدُخُولِ مَكَّةَ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ كَانَ يَخْتَصُّ بِجَسَدِهِ دُونَ رَأْسِهِ.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إذَا اغْتَسَلَ الْمُحْرِمُ لِدُخُولِ مَكَّةَ فَإِنَّمَا يَغْسِلُ جَسَدَهُ دُونَ رَأْسِهِ فَقَدْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ وَمَنْ غَسَلَ رَأْسَهُ فَلَا حَرَجَ مَا لَمْ يَغْمِسْ رَأْسَهُ فِي الْمَاءِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ لَعَلَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَغْسِلُ رَأْسَهُ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ يَعْنِي فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَوَاطِنِ الثَّلَاثَةِ، فَذَهَبَ إلَى تَخْصِيصِ ذَلِكَ وَحَكَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَتَدَلَّكُ فِي غُسْلِ دُخُولِ مَكَّةَ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَلَا يَغْسِلُ رَأْسَهُ إلَّا بِالْمَاءِ وَحْدَهُ يَصُبُّ صَبًّا وَلَا يُغَيِّبُ رَأْسَهُ فِي الْمَاءِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُحْرِمَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُدَلِّكُهُ بِيَدَيْهِ وَظَاهِرُ لَفْظِ مَالِكٍ يَقْتَضِي جَوَازَ الْغُسْلِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْهُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ غَيْرَ أَنَّهُ اعْتَبَرْت ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فَرَأَيْت كُلَّ مَوْضِعٍ أَبَاحَ فِيهِ الْغُسْلَ لِلْمُحْرِمِ لِغَيْرِ جَنَابَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَذْكُرُ فِيهِ إمْرَارَ الْيَدِ وَإِنَّمَا يَذْكُرُ فِيهِ صَبَّ الْمَاءِ وَإِذَا ذَكَرَ غُسْلَ الْجِنَايَةِ ذَكَرَ إمْرَارَ الْيَدِ وَلَعَلَّهُ اجْتَنَبَ الْخِلَافَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَذَلِكَ أَنَّ الْإِحْرَامَ يَمْنَعُ مِنْ إمَاطَةِ الْأَذَى وَهُوَ جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ؛ لِأَنَّ مَوَانِعَ الْإِحْرَامِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: رَفَثٌ وَإِلْقَاءُ تَفَثٍ فَالرَّفَثُ هُوَ الْجِمَاعُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الِالْتِذَاذِ بِالنِّسَاءِ وَمَا يَدْعُو إلَى الْجِمَاعِ مِنْ الطِّيبِ وَالْعُقُودِ الَّتِي مَقْصُودُهَا الْجِمَاعُ كَالنِّكَاحِ وأَمَّا إلْقَاءُ التَّفَثِ فَهُوَ حَلْقُ الشَّعْرِ وَإِزَالَةُ الشَّعَثِ وَالزِّينَةُ وَقَتْلُ الْقَمْلِ وَخَلْعُ ثِيَابِ الْإِحْرَامِ وَلُبْسُ الْمَخِيطِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ فَأَمَّا إلْقَاءُ التَّفَثِ مُبَاحٌ بِأَوَّلِ التَّحَلُّلَيْنِ وَأَمَّا الرَّفَثُ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَبَاحُ إلَّا بِآخِرِ التَّحَلُّلَيْنِ وَهُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ فَإِذَا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ جَازَ لَهُ أَنْ يَغْسِلَ رَأْسَهُ بِالْغَاسُولِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ إزَالَةِ الشَّعَثِ وَتَنْقِيَةِ الْبَشَرَةِ وَالشَّعْرِ وَقَتْلِ الْقَمْلِ وَهَذَا كُلُّهُ يُسْتَبَاحُ بِالتَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ -.

[مَا يُنْهَى عَنْهُ مِنْ لُبْسِ الثِّيَابِ فِي الْإِحْرَامِ]

(ش) : اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ مِنْ أَصْحَابِ نَافِعٍ عَلَى لَفْظِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَأَيُّوبُ وَعَبْدُ اللَّهِ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَابْنُ عَوْفٍ، وَكَذَالِكَ رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ نَافِعٍ وَرَوَاهُ جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ فَوَهَمَ فِيهِ فِي مَوْضِعَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا فَسَرَاوِيلَ» وَلَيْسَ هَذَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَالَ قَالَ نَافِعٌ وَيَقْطَعُ الْخُفَّ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ فَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ نَافِعٍ وَالصَّحِيحُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَلْبَسُوا الْقُمُصَ وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ وَلَا الْبَرَانِسَ» مُسْتَوْعَبًا فِي مَنْعِ الْمُحْرِمِ الْمَخِيطَ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي لَا تَحْصُلُ غَالِبًا إلَّا بِالْخِيَاطَةِ وَهِيَ الْقَمِيصُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْجُبَّةِ وَالْفَرْوِ وَالسَّرَاوِيلِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الثِّيَابِ وَالْبُرْنُسِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الْغِفَارَةِ وَمَا يُوضَعُ فِي الرَّأْسِ مِنْ قَلَنْسُوَةٍ وَغَيْرِهَا وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا تَحْصُلُ التَّفْرِقَةُ بِلُبْسِ الثِّيَابِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَقْصُودِ بِتِلْكَ الْخِيَاطَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>