للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهَا كَانَتْ تَلْبَسُ الثِّيَابَ الْمُعَصْفَرَاتِ الْمُشَبَّعَاتِ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ لَيْسَ فِيهَا زَعْفَرَانٌ) ..

(ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ ثَوْبٍ مَسَّهُ طِيبٌ، ثُمَّ ذَهَبَ مِنْهُ رِيحُ الطِّيبِ هَلْ يُحْرِمُ فِيهِ؟ فَقَالَ نَعَمْ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ صِبَاغٌ مِنْ زَعْفَرَانٍ أَوْ وَرْسٍ) .

لُبْسُ الْمُحْرِمِ الْمِنْطَقَةَ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَكْرَهُ لُبْسَ الْمِنْطَقَةِ لِلْمُحْرِمِ)

ــ

[المنتقى]

إلَّا أَهْلُ الْعِلْمِ لِئَلَّا يَقْتَدِيَ بِهِ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ وَأَنْ يُلْزِمَ غَيْرَهُ الْكَفَّ عَنْهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ قَالَ بِهَذَا وَلَمْ يُرَاجِعْهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَلَا أَحَدٌ مِمَّنْ سَمِعَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَأَى ثَوْبًا مَصْبُوغًا وَلَمْ يَعْرِفْ صِبَاغَهُ مِنْ مَدَرٍ هُوَ أَوْ غَيْرِهِ فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ مِثْلُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ يَأْتِي الْمَحْظُورَ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ صِبَاغُ مَدَرٍ أَنْكَرَ عَلَيْهِ التَّشْبِيهَ بِالْمَحْظُورِ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهَا كَانَتْ تَلْبَسُ الثِّيَابَ الْمُعَصْفَرَاتِ الْمُشَبَّعَاتِ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ لَيْسَ فِيهَا زَعْفَرَانٌ) .

ش قَوْلُهُ كَانَتْ تَلْبَسُ الثِّيَابَ الْمُعَصْفَرَاتِ الْمُشَبَّعَاتِ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ يَدُلُّ عَلَى اسْتِبَاحَتِهَا لَهَا وَلَعَلَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْدَمِ الَّذِي لَا يَنْتَفِضُ عَلَى الْجَسَدِ مِنْهُ شَيْءٌ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُعَصْفَرِ الْمُفْدَمِ لَا بَأْسَ أَنْ تَلْبَسَهُ الْمُحْرِمَةُ مَا لَمْ يَنْتَفِضْ مِنْهُ عَلَيْهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْتَفِضْ مِنْهُ شَيْءٌ فَقَدْ ذَهَبَتْ بَهْجَتُهُ وَمُشَابَهَتُهُ الْمَصْبُوغَةَ بِالزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ وَأَمَّا الْمُحْرِمُ فَلَا يَلْبَسُ الْمُفْدَمَ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِضْ مِنْهُ شَيْءٌ فَكَانَتْ أَسْمَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ الْمُفْدَمَ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ كَمَا لَبِسَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمَصْبُوغَ بِالْمَدَرِ وَلَوْ تَرَكَتْ لُبْسَهُ كَانَ أَفْضَلَ فَإِنَّهَا كَانَتْ قُدْوَةً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَعَلَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْهُ لَوْ رَآهَا تَلْبَسُهُ لَأَنْكَرَهُ عَلَيْهَا مِثْلُ مَا أَنْكَرَ عَلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ لِبَاسَ الْمَصْبُوغِ بِالْمَدَرِ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ كَرِهَ لِبَاسَ الْمُعَصْفَرِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَنْتَفِضُ لِمَنْ لَا يُقْتَدَى بِهِ وَبِقَوْلِنَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّهُ كَرِهَ الْمُعَصْفَرَ الْمُفْدَمَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ مُبَاحٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا صَبْغٌ لَهُ رَدْغٌ عَلَى الْجَسَدِ يَحْصُلُ الِاسْتِمْتَاعُ مِنْهُ بِالزِّينَةِ وَالرَّائِحَةِ فَكَانَ الْمُحْرِمُ مَمْنُوعًا مِنْ لُبْسِهِ كَالْمَصْبُوغِ بِالزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ لَبِسَهُ فَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا يَحْتَجُّ بِهِ أَصْحَابُهُ الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّ الْفِدْيَةَ تَجِبُ عَلَيْهِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يُوجِبُ بِهِ الْفِدْيَةَ وَيَجْعَلُهُ مُقَارِنًا لِلطِّيبِ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا فِدْيَةَ فِيهِ.

وَجْهُ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ لَوْنٌ مَمْنُوعٌ مِنْهُ لِحُرْمَةِ الْإِحْرَامِ مِنْهُ مَا يَنْتَفِضُ عَلَى جَسَدِهِ فَإِنْ كَانَ زِينَةً وَيَسْتَمْتِعُ بِرَائِحَتِهِ كَانَتْ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ كَالزَّعْفَرَانِ.

وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ لِشِبْهِهِ بِالزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ فَلَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ بِلُبْسِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ أَلْوَانِ الْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ رِيحَ الطِّيبِ إذَا ذَهَبَ مِنْ الثَّوْبِ وَبَقِيَ أَثَرُهُ فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ الْمُحْرِمُ مِنْ لُبْسِهِ؛ لِأَنَّ مَنْعَ الطِّيبِ الْمُحْرِمَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِإِتْلَافِهِ وَبِهِ تَتَعَلَّقُ الْفِدْيَةُ فَمَنْ لَمْ يُتْلِفْ شَيْئًا مِنْهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ شَمَّ رِيحَهُ؛ وَلِذَلِكَ لَا تَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ فِدْيَةٌ إذَا مَرَّ بِالْعَطَّارِينَ فَشَمَّ رَائِحَةَ الطِّيبِ، لَكِنَّ شَمَّ رَائِحَةِ الطِّيبِ مَكْرُوهَةٌ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ دَوَاعِي النِّكَاحِ فَلَوْ أَحْرَمَ فِي ثَوْبٍ فِيهِ رِيحُ طِيبٍ فَقَدْ أَتَى مَا هُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْ شَيْئًا مِنْ الطِّيبِ فَإِذَا زَالَ مِنْ الثَّوْبِ رِيحُ الطِّيبِ وَلَمْ تَكُنْ فِي لَوْنِهِ زِينَةٌ كَلَوْنِ الزَّعْفَرَانِ وَالْوَرْسِ أَوْ كَانَ مِمَّا فِي لَوْنِهِ زِينَةٌ فَزَالَ اللَّوْنُ بِالْغُسْلِ فَلَا مَانِعَ يَمْنَعُ مِنْ الْإِحْرَامِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[لُبْسُ الْمُحْرِمِ الْمِنْطَقَةَ]

(ش) : قَوْلُهُ كَانَ يَكْرَهُ لُبْسَ الْمِنْطَقَةِ لِلْمُحْرِمِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ لُبْسَهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمِنْطَقَةَ مِمَّا تُسْتَعْمَلُ، وَتُشَدُّ عَلَى الْجَسَدِ لِيَتَرَفَّهَ بِلُبْسِهَا فَلَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ لُبْسُهَا عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ فَإِنْ لَبِسَهَا لِحَاجَتِهِ إلَيْهَا كَحَمْلِ نَفَقَتِهِ وَلَمْ يَتَرَفَّهْ

<<  <  ج: ص:  >  >>