للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَمَلُ فِي الْإِهْلَالِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ «تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ» قَالَ نَافِعٌ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَزِيدُ فِيهَا لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إلَيْكَ وَالْعَمَلُ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ أَهَلَّ» )

ــ

[المنتقى]

مِثْلِ جَدَّةَ أَوْ الطَّائِفِ وَهُوَ يَنْوِي الرُّجُوعَ إلَى مَكَّةَ لِيَحُجَّ مِنْ عَامِهِ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ بِإِحْرَامٍ مِثْلُ مَا قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِينَ يَخْتَلِفُونَ إلَى مَكَّةَ بِالْحَطَبِ وَالْفَاكِهَةِ وَإِنْ كَانَ حِينَ خَرَجَ إلَى سَفَرِهِ لَمْ يَنْوِ الْعَوْدَةَ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَعَلَيْهِ الْإِحْرَامُ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ وَخَرَجَ مِنْهَا يَنْوِي الْعَوْدَةَ إلَيْهَا فَقَدْ صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ أَهْلِهَا الَّذِينَ تَعْرِضُ لَهُمْ الْحَوَائِجُ خَارِجَهَا فَيَخْرُجُونَ إلَيْهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ إحْرَامٌ لِدُخُولِهَا.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا إلَى مَكَّةَ وَهُوَ لَا يَنْوِي أَنْ يَبْلُغَهَا فَلَمَّا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ نَوَى دُخُولَ مَكَّةَ أَجْزَأَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ حَيْثُ نَوَى ذَلِكَ وَلَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ مَكَّةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَحْرَمَ.

[الْعَمَلُ فِي الْإِهْلَالِ]

(ش) : قَوْلُهُ إنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُ الَّتِي كَانَ يُلَبِّي بِهَا وَيُوَاظِبُ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ لَا يُوَاظِبُ عَلَى تَلْبِيَةٍ مَخْصُوصَةٍ لَمَا اخْتَصَّتْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَمُوَاظَبَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِيَارِ لَهَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ؛ وَلِذَلِكَ زَادَ فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بِأَيِّ لَفْظٍ لَبَّى الْمُلَبِّي أَجْزَأَهُ وَلَبَّيْكَ إجَابَةُ الدَّاعِي مَأْخُوذٌ مِنْ أَلَبَ بِالْمَكَانِ إذَا أَقَامَ بِهِ كَأَنَّهُ قَالَ هَذَا مُقِيمٌ عِنْدَك وَثَنَّى عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا إجَابَةٌ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ هَذَا الَّذِي يَذْكُرُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَالتَّلْبِيَةُ مَسْنُونَةٌ فِي الْحَجِّ غَيْرُ مَفْرُوضَةٍ قَالَ ذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ فِي تَفْرِيعِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَإِلَّا فَهِيَ وَاجِبَةٌ؛ وَلِذَلِكَ يَجِبُ الدَّمُ بِتَرْكِهَا.

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا قَوْلُهُ لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك فَإِنَّهُ يُرْوَى بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِهَا وَقَالَ قَوْمٌ إنَّ كَسْرَ الْهَمْزَةِ أَبْلَغُ فِي الْمَدْحِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبَيِّنٍ؛ لِأَنَّ كَسْرَ الْهَمْزَةِ إنَّمَا يَقْتَضِي الْإِخْبَارَ بِأَنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَأَنَّهُ ابْتِدَاءُ كَلَامٍ وَفَتْحُ الْهَمْزَةِ يَقْتَضِي التَّلْبِيَةَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَهُ وَلَيْسَ فِي أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ مَزِيَّةُ مَدْحٍ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَالْخَيْرُ بِيَدَيْك يَقْتَضِي أَنَّ جَمِيعَ الْخَيْرِ بِيَدَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ فَكَانَ الْمُلَبِّي يُلَبِّي رَبَّهُ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّ جَمِيعَ الْخَيْرِ بِيَدَيْهِ وَالرَّغْبَاءُ لَك إذَا فَتَحَ الرَّاءَ مَدَّ وَإِذَا ضَمَّهَا قَصَرَ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: إنَّ الْمَرْغُوبَ إلَيْهِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْمَقْصُودُ بِالْعَمَلِ.

(ش) : قَوْلُهُ كَانَ يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ هَذَا اللَّفْظُ إذَا أُطْلِقَ فِي الشَّرْعِ اقْتَضَى ظَاهِرُهُ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ النَّافِلَةَ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِمْ صَلَّى فُلَانٌ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ رُوِيَ أَنَّ صَلَاةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذِي الْحُلَيْفَةِ كَانَتْ صَلَاةَ الْفَجْرِ.

وَقَدْ اخْتَارَ مَالِكٌ أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ بِإِثْرِ نَافِلَةٍ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةُ خَيْرٍ وَقَدْ كَانَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ يَسْتَحِبُّ أَنْ يَكُونَ الْإِحْرَامُ بِإِثْرِ صَلَاةِ فَرِيضَةٍ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ بِإِثْرِ صَلَاةِ نَافِلَةٍ وَأَحْرَمَ بِإِثْرِ فَرِيضَةٍ أَجْزَأَهُ فَإِنْ وَرَدَ الْمِيقَاتَ فِي وَقْتٍ لَا تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ النَّافِلَةُ وَلَيْسَ بِوَقْتِ فَرِيضَةٍ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْتَظِرَ وَقْتَ جَوَازِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يَخَافَ فَوَاتًا أَوْ عُذْرًا فَإِنْ أَحْرَمَ وَلَمْ يَنْتَظِرْ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا شَرْطٍ فِي صِحَّةِ الْإِحْرَامِ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ أَهَلَّ يُرِيدُ أَنْ تَسْتَوِيَ قَائِمَةً وَهَذَا هُوَ الِاسْتِوَاءُ وَالِانْبِعَاثُ

<<  <  ج: ص:  >  >>