للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ غَدَا يَوْمَ عَرَفَةَ مِنْ مِنًى فَسَمِعَ التَّكْبِيرَ عَالِيًا فَبَعَثَ الْحَرَسَ يَصِيحُونَ فِي النَّاسِ أَيُّهَا النَّاسُ إنَّهَا التَّلْبِيَةُ) .

إهْلَالُ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَنْ بِهَا مِنْ غَيْرِهِمْ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ يَا أَهْلَ مَكَّةَ مَا شَأْنُ النَّاسِ يَأْتُونَ شُعْثًا وَأَنْتُمْ مُدْهِنُونَ أَهِلُّوا إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَقَامَ بِمَكَّةَ تِسْعَ سِنِينَ وَهُوَ يُهِلُّ بِالْحَجِّ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ مَعَهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ)

ــ

[المنتقى]

(ش) : إِنَّمَا مَنَعَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ إفْرَادِ التَّكْبِيرِ وَقَطْعِ التَّلْبِيَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِخِلَافٍ لِمَا رَوَاهُ أَنَسٌ وَإِنَّمَا أَخْبَرَ أَنَسٌ أَنَّ الْمُكَبِّرَ كَانَ يُكَبِّرُ فَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ وَأَنَّ الْمُلَبِّيَ كَانَ يُلَبِّي فَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ فَأَخْبَرَ أَنَّ التَّلْبِيَةَ كَانَتْ ظَاهِرَةً بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَأَنْكَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ تَرْكَهَا وَقَطْعَهَا جُمْلَةً فِي وَقْتٍ هِيَ فِيهِ مَشْرُوعَةٌ فَخَافَ إطْرَاحَهَا وَدُرُوسَهَا حَتَّى يَنْقَطِعَ حُكْمُهَا.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ: إنَّهَا التَّلْبِيَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّ الذِّكْرَ الْمَشْرُوعَ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْمَخْصُوصِ بِهِ لَهُ هُوَ التَّلْبِيَةُ وَأَنَّ التَّكْبِيرَ لَا يَخْتَصُّ بِهَذَا الْوَقْتِ بَلْ يَظْهَرُ فِيهِ التَّكْبِيرُ كَمَا يَظْهَرُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ التَّلْبِيَةَ مِنْ جُمْلَةِ أَذْكَارِ هَذَا الْوَقْتِ الَّذِي لَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِهِ وَالتَّرْكُ لَهُ إلَى غَيْرِهِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ.

[إهْلَالُ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَنْ بِهَا مِنْ غَيْرِهِمْ]

ش قَوْلُهُ مَا بَالُ النَّاسِ يَأْتُونَ شُعْثًا وَأَنْتُمْ مُدْهِنُونَ إنْكَارٌ لِلْإِدْهَانِ وَعَدَمِ الشُّعْثِ عَلَى الْحَجِّ بِعَرَفَةَ؛ لِأَنَّ مِنْ سُنَّةِ الْحَجِّ بِعَرَفَةَ أَنْ يَكُونَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ فَأَنْكَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يَفُوتَهُمْ مِثْلُ هَذِهِ الْفَضِيلَةِ بِتَأْخِيرِهِمْ الْإِهْلَالِ إلَى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ فَأَرَادَ أَنْ يُقَدِّمُوا الْإِهْلَالَ مِنْ أَوَّلِ ذِي الْحِجَّةِ لِيَبْعُدَ عَهْدُهُمْ بِالتَّرَجُّلِ وَالِادِّهَانِ وَيَأْخُذُوا مِنْ الشُّعْثِ بِحَظٍّ وَافِرٍ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَخْتَارُ لِلْمَكِّيِّ أَنْ يُهِلَّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ لِمَعْنَيَيْنِ:

أَحَدِهِمَا: أَنَّهُ لَمْ يَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ مِنْ شَأْنِ الْمُحْرِمِ أَنْ لَا يُقِيمَ فِي مَوْضِعٍ يُنْشِئُ فِيهِ إحْرَامَهُ وَإِنَّمَا يُحْرِمُ وَيُلَبِّي عِنْدَ أَخْذِهِ فِي التَّوَجُّهِ إلَى حَيْثُ يَقْتَضِي إحْرَامُهُ التَّوَجُّهَ إلَيْهِ فَكَرِهَ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مَكَّةَ، ثُمَّ يُقِيمَ بِهَا بَعْدَ إحْرَامِهِ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ.

وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَمُوَطَّأِ ابْنِ وَهْبٍ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، ثُمَّ يُقِيمَ بِأَرْضٍ يُهِلَّ بِهَا حَتَّى يَخْرُجَ، وَلَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ مَا كَرِهَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِأَهْلِ مَكَّةَ مِنْ أَنْ يَأْتُوا عَرَفَةَ مُدَّهِنِينَ.

(ش) : تَعَلَّقَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ بِفِعْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ مُدَّةَ تِسْعَةِ أَعْوَامٍ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَهُوَ الْأَمِيرُ الَّذِي يُشْهَرُ فِعْلُهُ وَلَا يَخْفَى أَمْرُهُ وَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَلَا يُثَابِرُ مَعَ دِينِهِ وَفَضْلِهِ وَوَرَعِهِ إلَّا عَلَى مَا هُوَ الْأَفْضَلُ عِنْدَهُ وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ أَخُوهُ عُرْوَةُ مَعَ عِلْمِهِ وَدِينِهِ وَعَلَى هَذَا كَانَ أَمْرُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ عُبَيْدُ بْنُ جُرَيْجٍ لِابْنِ عُمَرَ رَأَيْتُك تَفْعَلُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِك يَفْعَلُهَا.

ص (قَالَ مَالِكٌ وَإِنَّمَا يُهِلُّ أَهْلُ مَكَّةَ وَغَيْرُهُمْ بِالْحَجِّ إذَا كَانُوا بِهَا وَمَنْ كَانَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا مِنْ جَوْفِ مَكَّةِ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَرَمِ) .

(ش) : وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُهِلَّ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ مِنْ أَهْلِهَا كَانَ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ فَإِنَّهُ لَا يُهِلُّ مِنْ غَيْرِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ مِيقَاتٌ يَمُرُّونَ عَلَيْهِ بِهِ دُونَ مَا يُحْرِمُونَ مِنْهُ، وَوَجْهٌ آخَرُ أَنَّ الْمُهِلَّ مِنْ الْمِيقَاتِ مُتَوَجِّهٌ إلَى الْبَيْتِ بِإِحْرَامِهِ مِنْ مِيقَاتِهِ لِئَلَّا يُرَدَّ إلَّا مُحْرِمًا فَمَنْ كَانَ عِنْدَ الْبَيْتِ وَفِي الْحَرَمِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْهُ لِلْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ الَّذِي يُقْصَدُ بِالْإِحْرَامِ قَدْ صَارَ فِيهِ، وَنُسُكُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>