للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نِكَاحُ الْمُحْرِمِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ أَبَا رَافِعٍ مَوْلَاهُ وَرَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَزَوَّجَاهُ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ» ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ نَبِيهِ بْنِ وَهْبٍ أَخِي بَنِي عَبْدِ الدَّارِ أَنَّ «عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَرْسَلَ إلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَأَبَانُ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْحَاجِّ وَهُمَا مُحْرِمَانِ إنِّي أَرَدْت أَنْ أُنْكِحَ طَلْحَةَ بْنَ عُمَرَ بِنْتَ شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَرَدْت أَنْ تَحْضُرَ ذَلِكَ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَبَانُ وَقَالَ سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ وَلَا يَخْطُبُ» ) .

ــ

[المنتقى]

ائْتِينَا بِمَكَانِ كَذَا وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَفَقَتِكِ وَنَصَبِكِ» .

[نِكَاحُ الْمُحْرِمِ]

(ش) : قَوْلُهُ «بَعَثَ أَبَا رَافِعٍ مَوْلَاهُ وَرَجُلًا» آخَرَ ظَاهِرُهُ بِاتِّصَالِ قَوْلِهِ «فَزَوَّجَاهُ» جَوَازُ الِاسْتِنَابَةِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَالْوَكَالَةِ فِيهِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي كِتَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ «وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ» يَقْتَضِي كَوْنَهُ حَلَالًا؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَمْ يُحْرِمَ إلَّا بَعْدَ أَنْ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَإِنَّمَا قَصَدَ إلَى الْإِعْلَامِ بِذَلِكَ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي صِحَّةِ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا لِاخْتِلَافِهِمْ فِي نِكَاحِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَيْمُونَةَ هَلْ كَانَ فِي حَالَ إحْرَامِهِ أَوْ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَا تَقَدَّمَ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ» وَاَلَّذِي رَوَى أَبُو رَافِعٍ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ الَّذِي بَاشَرَ الْقَضِيَّةَ وَهُوَ بِهَا أَعْلَمُ مِمَّنْ لَمْ يُبَاشِرْهَا وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ «مَيْمُونَةَ تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرَفٍ» وَهِيَ أَعْلَمُ بِحَالِهَا وَحَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا سِيَّمَا وَقَدْ ذَكَرَتْ مَوْضِعَ الْعَقْدِ وَقَدْ أَنْكَرَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَهَمَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي تَزْوِيجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُحْرِمٌ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَخَذَ فِي ذَلِكَ بِمَذْهَبِهِ أَنَّ مَنْ قَلَّدَ هَدْيَهُ فَقَدْ صَارَ مُحْرِمًا بِالتَّقْلِيدِ فَلَعَلَّهُ عَلِمَ بِنِكَاحِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ أَنْ قَلَّدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَدْيَهُ وَقَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ فَقَالَ «تَزَوَّجَهَا مُحْرِمًا» لِمَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ مُحْرِمٌ بِتَقْلِيدِ الْهَدْيِ.

وَالْوَجْهِ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ أَرَادَ الْمُحْرِمَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ فَإِنَّهُ يُقَالُ: لِمَنْ دَخْل فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ أَوْ الْأَرْضِ الْحُرُمِ مُحْرِمٌ فَيَجْمَعُ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ.

(ش) : إرْسَالُ عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ إلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ أَنْ يَحْضُرَ نِكَاحَ ابْنِهِ بِمَعْنَى إشْهَارِ النِّكَاحِ وَإِحْضَارِ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالدِّينِ فِيهِ وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَحْضُرَهُ لِعِلْمِهِ بِمَا يُصَحِّحُ الْعَقْدَ مِمَّا يُفْسِدُهُ فَأَنْكَرَ أَبَانُ نِكَاحَهُمْ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ وَمَا دُعِيَ إلَيْهِ مِنْ حُضُورِهِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ وَلَا يَخْطُبُ» وَهَذَا يَقْتَضِي مَنْعَ عَقْدِ النِّكَاحِ لِلْمُحْرِمِ وَيَقْتَضِي مَنْعَ الْمُحْرِمِ مِنْ عَقْدِهِ لِغَيْرِهِ وَإِذَا اقْتَضَى النَّهْيُ الْمَنْعَ مِنْ عَقْدِ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ اقْتَضَى فَسَادَهُ إنْ عَقَدَ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَعْقِدُ الْمُحْرِمُ النِّكَاحَ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ.

وَرُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ مَا احْتَجَّ بِهِ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ وَلَا يَخْطُبُ» وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ مَعْنًى تَصِيرُ بِهِ الْمَرْأَةُ فِرَاشًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَحْظُورًا عَلَى الْمُحْرِمِ كَوَطْءِ الْأَمَةِ، وَدَلِيلٌ آخَرُ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ تَمْنَعُ الْوَطْءَ وَالطِّيبَ فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ عَقْدُ النِّكَاحِ كَالْعِدَّةِ.

١ -

<<  <  ج: ص:  >  >>