للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي صَيْدِ الْحِيتَانِ فِي الْبَحْرِ وَالْأَنْهَارِ وَالْبِرَكِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَنَّهُ حَلَالٌ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَصْطَادَهُ) .

مَا لَا يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ مِنْ الصَّيْدِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ «أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِمَارًا وَحْشِيًّا وَهُوَ بِالْأَبْوَاءِ أَوْ بِوَادِنَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ: إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إلَّا أَنَّا حُرُمٌ» ) .

ــ

[المنتقى]

مِثْلُ قَوْلِنَا.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّيْدَ حَالَ الْإِحْرَامِ يَمْنَعُ الْمِلْكَ وَيُنَافِيهِ فَلَمْ يُرْسِلْ مِنْ يَدِهِ مَا يَمْلِكُهُ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ صَيْدَ الْحِيتَانِ حَيْثُ كَانَتْ مِنْ مَوَاضِعِهَا فِي الْبَحْرِ الْمِلْحِ وَالْعَذْبِ وَالْأَنْهَارِ وَالْغُدْرَانِ وَالْبِرَكِ وَالْعُيُونِ وَالْمِيَاهِ الْقَلِيلَةِ وَالْكَثِيرَةِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: ٩٦] وَاسْمُ الْبَحْرِ وَاقِعٌ عَلَى الْعَذْبِ وَالْمِلْحِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [الفرقان: ٥٣] .

(مَسْأَلَةٌ) :

وَدَوَابُّ الْبَحْرِ وَالْأَنْهَارِ وَالْبِرَكِ وَغَيْرِهَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ صَيْدُهَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَالسُّلَحْفَاةُ عِنْدِي مِمَّا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ اصْطِيَادُهُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ مِنْ أَنَّهَا تُؤْكَلُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ وَهِيَ تُرْسُ الْمَاءِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ مِنْ أَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ اصْطِيَادُهَا وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ فِيمَا يَعِيشُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ.

وَوَجْهُ إبَاحَةِ ذَلِكَ لِلْمُحْرِمِ قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: ٩٦] وَلَا خِلَافَ أَنَّ السُّلَحْفَاةَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا فِيهِ وَأَمَّا سُلَحْفَاةُ الْبَرِّ فَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَصِيدُ الْمُحْرِمُ سُلَحْفَاةَ الْبَرِّ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ فِي الْبَرَارِيِ دُونَ الْمِيَاهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا فِي الْمِيَاهِ، وَلَكِنَّهَا تَخْرُجُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَتَكُونُ فِي الْبَرِّ كَمَا تَصْنَعُ الضَّفَادِعُ وَغَيْرُهَا مِنْ دَوَابِّ الْبَحْرِ وَإِنَّمَا كَانَتْ تَكُونُ مِنْ دَوَابِّ الْبَرِّ لَوْ كَانَ مِنْهَا نَوْعٌ يَنْفَرِدُ بِالْحَيَاةِ فِيهِ وَهَذَا مَعْدُومٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الضُّفْدُعُ فَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُحْرِمِ إنْ قَتَلَهُ قَالَ أَشْهَبُ وَقِيلَ يُطْعِمُ شَيْئًا وَلَعَلَّ أَشْهَبَ قَدْ رَاعَى فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَوْلَ ابْنِ نَافِعٍ لَا تُؤْكَلُ إلَّا بِذَكَاةٍ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا طَيْرُ الْمَاءِ فَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ لَا يَصِيدُهُ الْمُحْرِمُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ أَنَّهُ مِمَّا لَا يُسْتَبَاحُ أَكْلُهُ إلَّا بِذَكَاةٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ كَغَيْرِهِ مِنْ الطَّيْرِ.

[مَا لَا يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُهُ مِنْ الصَّيْدِ]

(ش) : قَوْلُهُ أَنَّهُ «أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِمَارًا وَحْشِيًّا» هَكَذَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ أَثْبَتُ النَّاسِ فِيهِ وَأَحْفَظُهُمْ عَنْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا رَدَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَبُولُهُ لَهُ: وَإِمَّا لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ فَلَا فَائِدَةَ فِي قَبُولِهِ إلَّا الْإِضْرَارُ بِمَنْ كَانَ لَهُ وَيَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ أَنَّ مَنْ أُهْدِيَ لَهُ صَيْدٌ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ قَبُولِهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ بَلَغَنِي أَنَّ الْحِمَارَ الْوَحْشِيَّ الَّذِي أَهْدَى الصَّعْبُ بْنُ جَثَّامَةَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُحْرِمٌ إنَّمَا رَدَّهُ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْحِمَارَ كَانَ حَيًّا.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ أُهْدِيَ لَهُ صَيْدٌ فِي حَالِ إحْرَامِهِ فَقِبَلَهُ لَمْ يَكُنْ رَدُّهُ عَلَى قِيَاسِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ بِالْقَبُولِ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ أَوْ قَدْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْوَاهِبِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى مَذْهَبِ الْقَاضِي أَبِي إِسْحَاقَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى وَاهِبِهِ إنْ كَانَ حَلَالًا.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي مُحْرِمٍ ابْتَاعَ صَيْدًا فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ مِنْهُ إنْ كَانَ حَلَالًا، وَلَوْ رَدَّهُ عَلَيْهِ لَزِمَهُ جَزَاؤُهُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ «فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ» يُرِيدُ مِنْ التَّغَيُّرِ وَالْإِشْفَاقِ لِرَدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَدِيَّتَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>