للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمْرُ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ كُلُّ شَيْءٍ صِيدَ فِي الْحَرَمِ أَوْ أُرْسِلَ عَلَيْهِ كَلْبٌ فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَ ذَلِكَ الصَّيْدَ فِي الْحِلِّ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَعَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ جَزَاءُ ذَلِكَ الصَّيْدِ فَأَمَّا الَّذِي يُرْسِلُ كَلْبَهُ عَلَى الصَّيْدِ فِي الْحِلِّ فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يَصِيدَهُ فِي الْحَرَمِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ جَزَاءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرْسَلَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْحَرَمِ فَإِنْ أَرْسَلَهُ قَرِيبًا مِنْ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ)

ــ

[المنتقى]

ذَنْبَهُ أَعْظَمَ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَهُ كَفَّارَةٌ بِالْجَزَاءِ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ فِيهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ عَطَاءً قَدْ قَالَ: إنَّ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ} [المائدة: ٩٥] يَعْنِي مَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ وَمَعْنَى قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة: ٩٥] يَعْنِي فِي الْإِسْلَامِ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ: مَعْنَاهُ مَنْ عَادَ بَعْدَ الَّذِي سَلَفَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الصَّيْدِ وَعَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ يُرِيدُ قَبْلَ التَّحْرِيمِ وَلِهَذَا التَّأْوِيلِ وَجْهٌ صَحِيحٌ بَلْ هُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ} [المائدة: ٩٥] ظَاهِرُهُ مَا سَلَفَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ وَلَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى سَلَفَ الْمَرَّةُ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الْأُولَى لَيْسَتْ بِسَالِفَةٍ مِمَّنْ يَأْتِي بَعْدُ وَهِيَ بَعْدَ الثَّانِيَةِ مِمَّنْ مَضَى وَعَلَى هَذَا تَأَوَّلَ الْجَمِيعُ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: ٢٢] أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ قَبْلَ نُزُولِ التَّحْرِيمِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الِانْتِقَامُ مِنْهُ بِأَشْيَاءَ تُصِيبُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: ٣٠] وَلَا خِلَافَ بَيْنَنَا فِي وَجْهِ الِانْتِقَامِ مِنْهُ وَلَيْسَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة: ٩٥] مَا يَنْفِي وُجُوبَ الْجَزَاءِ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَكَيْفَ، وَالْآيَةُ مُتَضَمِّنَةٌ لَهُ وَعَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: مِنْ الِانْتِقَامِ مِنْهُ وُجُوبُ الْجَزَاءِ عَلَيْهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ قَتَلَ صَيْدًا مَمْلُوكًا وَجَبَ عَلَيْهِ مَعَ الْجَزَاءِ لِصَاحِبِهِ الْقِيمَةُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيّ لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْقِيمَةُ لِصَاحِبِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: ٩٥] .

[أَمْرُ الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ]

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الصَّيْدَ مَمْنُوعٌ فِي الْحَرَمِ لِلْحَلَالِ وَالْحُرُمِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥] وَمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إلَّا لِمُعَرِّفٍ وَقَالَ الْعَبَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا فَقَالَ إلَّا الْإِذْخِرَ» .

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَا يَقْرُبُ مِنْ الْحَرَمِ وَإِنْ كَانَ يَمْنَعُ الِاصْطِيَادَ كَمَا يَمْنَعُهُ الْحَرَمُ فَقَالَ أَشْهَبُ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْحَرَمِ.

وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ مَالِكٌ وَالِاصْطِيَادُ فِيهِ مُبَاحٌ إذَا سَلِمَ مِنْ الْقَتْلِ فِي الْحَرَمِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إنَّ كُلَّ مَا يَسْكُنُ بِسُكُونٍ مَا فِي الْحَرَمِ وَيَتَحَرَّكُ بِتَحَرُّكِهِ فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْحَرَمِ وَقَالَهُ مَالِكٌ.

وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحَرَمَ مَحْدُودٌ وَفَائِدَةُ تَحْدِيدِهِ أَنَّ مَا خَرَجَ عَنْ حَدِّهِ فَإِنَّ حُكْمَهُ غَيْرُ حُكْمِ الْحَرَمِ.

(فَصْلٌ) :

وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ تَحْدِيدَهُ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَى غَايَتِهِ حَتَّى لَا يَكُونَ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحُرُمِ شَيْءٌ مِنْ جُمْلَةٍ إلَّا الْحَظُّ الْبَيِّنُ الْوَاضِحُ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ وَجَبَ الِاحْتِيَاطُ فِيمَا قَرُبَ لِيَتَيَقَّنَ اسْتِيفَاءَ حُرْمَةِ الْحَرَمِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ قَتَلَ الصَّيْدَ فِي الْحَرَمِ حَلَالٌ أَوْ حَرَامٌ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ تَصَيُّدُهُ فِي الْحَرَمِ أَوْ الْحِلِّ فَإِنْ كَانَ تَصَيُّدُهُ فِي الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: إنَّهُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَقَالَ دَاوُد لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ حَلَالًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥] .

فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ الْآيَةِ قَوْلُهُ {وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥]

<<  <  ج: ص:  >  >>