للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحُكْمُ فِي الصَّيْدِ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥] إلَى قَوْلِهِ {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} [المائدة: ٩٥]

ــ

[المنتقى]

وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ إنَّ الْبُعْدَ مِنْ الْحَرَمِ بِمِقْدَارِ مَا لَا يَسْكُنُ الصَّيْدُ فِيهِ بِسُكُونِ مَنْ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنْ الْحِلِّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرْسِلَ مَنْ فِي الْحَرَمِ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنْ الْحِلِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ أَنْ لَا يَكُونَ أَرْسَلَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْحَرَمِ فَإِنْ أَرْسَلَهُ قَرِيبًا مِنْ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ يُرِيدُ أَنَّ الْإِرْسَالَ بِقُرْبِ الْحَرَمِ مَمْنُوعٌ وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّ لَهُ حُكْمَ الْحَرَمِ.

وَالثَّانِي: مَا قَالَهُ أَشْهَبُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى الِاحْتِيَاطِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْ التَّغْرِيرِ بِإِرْسَالِ جَارِحٍ عَلَى صَيْدٍ قُرْبَ الْحَرَمِ فَلَا يُدْرِكُهُ إلَّا فِي الْحَرَمِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ وَأَنَّ الرَّاتِعَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ» وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ كُلِّ فِعْلٍ لَا تُؤْمَنُ مَعَهُ مُوَاقَعَةُ الْمَحْظُورِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَإِنْ أَرْسَلَهُ قَرِيبًا مِنْ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَيْهِ فَإِذَا أَخَذَهُ بَعْدَ إدْخَالِهِ الْحَرَمَ فَإِنْ أَخَذَهُ فِيهِ أَوْ أَخْرَجَهُ مِنْهُ بِأَخْذِهِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِذَا أَدْرَكَهُ بِقُرْبِ الْحَرَمِ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَيْهِ فَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَلِمَ مِمَّا غَرَّرَ بِهِ وَلَوْ أَكَلَهُ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ لَهُ حُكْمَ الْحَرَمِ بِقُرْبِهِ مِنْهُ فَلَا يُؤْكَلُ وَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ قَبْلَ إدْخَالِهِ فِيمَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْحَرَمِ فَقَدْ سَلِمَ وَيَأْكُلُهُ.

[الْحُكْمُ فِي الصَّيْدِ]

(ش) : تَفْسِيرُ قَوْله تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥] قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَعْنَى حُرُمٍ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مُحْرِمُونَ إمَّا بِالْإِحْرَامِ بِالنُّسُكِ وَإِمَّا بِالْكَوْنِ فِي الْحَرَمِ فَنَهَى تَعَالَى عَنْ قَتْلِ الصَّيْدِ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ، ثُمَّ أَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنَّ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ مُتَعَمِّدًا الْجَزَاءَ وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إنَّ النَّاسِيَ لِإِحْرَامِهِ الْمُتَعَمِّدَ لِقَتْلِهِ مِنْ جُمْلَةِ الْعَامِدِينَ وَمَا ذَكَرُوا وَجْهٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ تَعَالَى مُتَعَمِّدَ الْقَتْلِ وَلَمْ يَخُصَّ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ وَلَا ذَاكِرًا لَهُ فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عُمُومِهِ.

وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ دَاوُد يَقُولُ لَا شَيْءَ عَلَى مَنْ نَسِيَ الْإِحْرَامَ وَتَعَمَّدَ الْقَتْلَ وَالْآيَةُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ بِالْعُمُومِ وَأَمَّا الْمُخْطِئُ بِالْقَتْلِ فَلَمْ يَجْرِ لَهُ فِي الْآيَةِ ذِكْرٌ فَلَا مَعْنَى لِلِاحْتِجَاجِ بِالْآيَةِ عَلَى إثْبَاتِ الْجَزَاءِ فِيهِ، وَلَا نَفْيِهِ إلَّا لِمَنْ يَقُولُ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ، وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِهِ وَلَا دَاوُد وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: يَجِبُ عَلَى الْعَامِدِ الْجَزَاءُ بِالْآيَةِ وَعَلَى الْمُخْطِئِ بِالسُّنَّةِ فَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا حُكْمَ لِلْمُخْطِئِ فِي الْآيَةِ.

وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ: ثَبَتَ حُكْمُ الْمُخْطِئِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: ٩٦] فَعَمَّ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وقَوْله تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: ٩٥] ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إخْرَاجُ مِثْلِ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ مِنْ النَّعَمِ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ وَالنَّعَامَةُ لَهَا مِثْلٌ وَهِيَ الْبَدَنَةُ وَبَقَرُ الْوَحْشِ لَهُ مِثْلٌ وَهِيَ الْبَقَرُ الْإِنْسِيَّةُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُضْمَنُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِمِثْلِهِ وَإِنَّمَا يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ، ثُمَّ يُشْتَرَى بِتِلْكَ الْقِيمَةِ هَدْيًا أَوْ طَعَامًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: ٩٥] فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ الْقَاتِلَ مِثْلَ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: ٩٥] .

فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ الْآيَةِ أَنَّهُ قَالَ تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: ٩٥] وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ مِثْلَ الْمَقْتُولِ مِنْ النَّعَمِ هُوَ الْجَزَاءُ وَالْقِيمَةُ لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهَا مِثْلٌ لِلْمَقْتُولِ لَا لُغَةً وَلَا شَرْعًا، وَإِنَّمَا الْمِثْلُ مَا يُشْبِهُهُ، وَأَشْبَهُ النَّعَمِ بِالنَّعَامَةِ الْبَدَنَةُ مِنْ جِهَةِ الْخِلْقَةِ وَمِمَّا يُؤَكِّدُ مَا قُلْنَاهُ مَا بَيَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: ٩٥] وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِنْ الضَّمِيرِ الَّذِي فِي يَحْكُمُ وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>