للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا جَاءَ فِيمَنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ (ص) : (قَالَ مَالِكٌ مَنْ حُبِسَ بِعَدُوٍّ فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَيَنْحَرُ هَدْيَهُ وَيَحْلِقُ رَأْسَهُ حَيْثُ حُبِسَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ

ــ

[المنتقى]

فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهَا أَفَأَحُجُّ عَنْهُ سُؤَالٌ مِنْهَا عَنْ صِحَّةِ النِّيَابَةِ فِي الْحَجِّ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي صِحَّةَ النِّيَابَةِ فِي الْحَجِّ، وَالْعِبَادَاتُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: عِبَادَةٍ مُخْتَصَّةٍ بِالْمَالِ كَالزَّكَاةِ فَلَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ النِّيَابَةِ فِيهَا وَعِبَادَةٍ مُخْتَصَّةٍ بِالْجَسَدِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهَا وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ نَعْلَمُهُ إلَّا مَا يُرْوَى عَنْ دَاوُد أَنَّهُ قَالَ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ يَصُومُ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَعِبَادَةٍ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْبَدَنِ وَالْمَالِ كَالْجِهَادِ وَالْحَجِّ فَقَدْ أَطْلَقَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِيهَا وَقَدْ كَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: وَلَا يَحُجُّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَرَأَى أَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمَيِّتِ أَفْضَلُ مِنْ اسْتِئْجَارِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ إلَّا أَنَّهُ إنْ أَوْصَى بِذَلِكَ نُفِّذَتْ وَصِيَّتُهُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ وَإِنَّمَا لِلْمَيِّتِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ نَفَقَتُهُ إنْ أَوْصَى أَنْ يُسْتَأْجَرَ مِنْ مَالِهِ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ تَطَوَّعَ عَنْهُ بِذَلِكَ أَحَدٌ فَلَهُ أَجْرُ الدُّعَاءِ وَفَضْلُهُ وَهَذَا وَجْهُ انْتِفَاعِ الْمَيِّتِ بِالْحَجِّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى قَوْلَيْنِ غَيْرَ أَنَّ الْقَوْلَ بِصِحَّةِ النِّيَابَةِ أَظُنُّهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِيمَنْ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ يَنْفُذُ ذَلِكَ وَلَا يُسْتَأْجَرُ إلَّا مَنْ قَدْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ، وَقَالَ أَيْضًا لَا يَحُجُّ عَنْهُ صَرُورَةٌ وَلَا عَبْدٌ وَلَا مُكَاتَبٌ وَلَا مُعْتَقٌ بَعْضُهُ وَلَا مُدَبَّرٌ وَلَا أُمُّ وَلَدٍ فَلَوْلَا أَنَّ الْحَجَّ عَلَى وَجْهِ النِّيَابَةِ عَنْ الْمُوصِي لَمَا اُعْتُبِرَتْ صِفَةُ الْمُبَاشِرِ لِلْحَجِّ، وَأَمَّا مَا يَدُلُّ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ بِمَنْعِ النِّيَابَةِ فِيمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ.

وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ فَقَالَ: أَمَّا الصِّيَامُ وَالصَّلَاةُ وَالْحَجُّ عَنْهُ فَلَا نَرَى ذَلِكَ فَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ يَتَطَوَّعُ عَنْهُ بِغَيْرِ هَذَا أَحَبُّ إلَيَّ يُهْدِي عَنْهُ أَوْ يَتَصَدَّقُ عَنْهُ أَوْ يُعْتِقُ عَنْهُ فَفَاضَلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّفَقَاتِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ جَوَّزَ مَالِكٌ الِاسْتِئْجَارَ عَلَى الْحَجِّ وَجَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ وَمَنَعَ مِنْهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا نَقُولُهُ: أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْمَالِ فَصَحَّتْ النِّيَابَةُ فِيهَا بِالْإِجَارَةِ كَالزَّكَاةِ.

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ تَكُونُ النِّيَابَةُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لَسْنَا نَعْنِي بِصِحَّةِ النِّيَابَةِ أَنَّ الْفَرْضَ يَسْقُطُ عَنْهُ بِحَجَّةِ الْغَيْرِ وَإِنَّمَا نُرِيدُ بِذَلِكَ التَّطَوُّعَ فَذَهَبَ إلَى أَنَّهُ تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِي نَفْلِهِ دُونَ فَرْضِهِ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا يُسْتَأْجَرُ لِلْحَجِّ عَبْدٌ وَلَا مُكَاتَبٌ وَلَا مُدَبَّرٌ وَالنَّفَلُ يَصِحُّ مِنْ هَؤُلَاءِ كَمَا يَصِحُّ مِنْ الْحُرِّ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ قُلْنَا إنَّ الِاسْتِنَابَةَ غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ حَبِيبٍ.

فَوَجْهُ الْحَدِيثِ بَيِّنٌ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الِاسْتِنَابَةَ مَكْرُوهَةٌ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُوهَا تُوُفِّيَ عَنْ وَصِيَّتِهِ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ السُّؤَالَ كَانَ عَنْ مَيِّتٍ.

[مَا جَاءَ فِيمَنْ أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ]

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ مَنْ حُبِسَ بِعَدُوٍّ عَنْ أَنْ يَصِلَ إلَى الْبَيْتِ، وَذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ فِي الْحَجِّ بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَيَقَّنَ بَقَاءَهُ وَاسْتِيطَانَهُ لِقُوَّتِهِ وَكَثْرَتِهِ وَالْيَأْسِ مِنْ إزَالَتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ حَبْسًا وَيَحِلُّ حَيْثُ حُبِسَ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ وَقْتِ الْحَجِّ مِقْدَارُ مَا يَهِمُ أَنَّهُ لَوْ زَالَ الْعَدُوُّ لَأَدْرَكَ الْحَجَّ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ مِمَّا يُرْجَى زَوَالُهُ فَهَذَا لَا يَكُونُ مَحْصُورًا حَتَّى يَبْقَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَجِّ مِقْدَارُ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ إنْ زَالَ الْعَدُوُّ لَا يُدْرِكُ فِيهِ الْحَجَّ فَيَحِلُّ حِينَئِذٍ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ.

وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَحِلُّ مَنْ أُحْصِرَ عَنْ الْحَجِّ بِعَدُوٍّ حَتَّى يَوْمِ النَّحْرِ وَلَا يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ حَتَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>