للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ قَوْمَكِ حِينَ بَنَوْا الْكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ قَالَتْ: فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَفَعَلْت» قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أُرَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَ اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ إلَّا أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يَتِمَّ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ مَا أُبَالِي أَصَلَّيْت فِي الْحِجْرِ أَمْ فِي الْبَيْتِ) .

ــ

[المنتقى]

[مَا جَاءَ فِي بِنَاءِ الْكَعْبَةِ]

(ش) : قَوْلُهُ أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ قَوْمَكِ حِينَ بَنَوْا الْكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ يُرِيدُ أَنَّهُمْ بَنَوْا الْبَيْتَ عَلَى بَعْضِ قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ وَهِيَ قَوَاعِدُ الْبَيْتِ الَّذِي أَسَّسَهُ بِهَا إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلَمْ تَسْتَوْعِبْ قُرَيْشٌ حِينَ بَنَوْا الْبَيْتَ الْبُنْيَانَ الَّذِي كَانَ بِهَا حِينَ بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا الْبِنَاءُ الْمَذْكُورُ شَهِدَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَقَلَ الْحِجَارَةَ فِيهِ وَوَضَعَتْ قُرَيْشٌ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فِي حَائِطِهِ بِحُكْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمْ فَذَلِكَ الْبُنْيَانُ الَّذِي اقْتَصَرَتْ فِيهِ قُرَيْشٌ عَنْ بَعْضِ قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ وَتَرَكَتْ شَيْئًا مِنْهَا خَارِجًا عَنْ بُنْيَانِهَا.

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الَّذِي مَنَعَهَا مِنْ اسْتِيعَابِ الْقَوَاعِدِ بِالْبِنَاءِ قُصُورُ النَّفَقَةِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ عَائِشَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ تُرِيدُ أَنْ يَنْقُضَ الْبُنْيَانَ الَّذِي بُنِيَتْ عَلَيْهِ الْقَوَاعِدُ وَيَبْنِيهَا بُنْيَانًا يَسْتَوْعِبُ الْقَوَاعِدَ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِك بِالْكُفْرِ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - قُرْبَ الْعَهْدِ بِالْجَاهِلِيَّةِ فَرُبَّمَا أَنْكَرَتْ نُفُوسُهُمْ خَرَابَ الْكَعْبَةِ فَيُوَسْوِسُ لَهُمْ الشَّيْطَانُ بِذَلِكَ مَا يَقْتَضِي إدْخَالَ الدَّاخِلَةِ عَلَيْهِمْ فِي دِينِهِمْ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُرِيدُ اسْتِئْلَافَهُمْ وَيَرُومُ تَثْبِيتَهُمْ عَلَى أَمْرِ الْإِسْلَامِ وَالدِّينِ يَخَافُ أَنْ تَنْفِرَ قُلُوبُهُمْ بِتَخْرِيبِ الْكَعْبَةِ وَرَأَى أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ وَأَمْرُ النَّاسِ بِاسْتِيعَابِ الْبَيْتِ بِالطَّوَافِ أَقْرَبُ إلَى سَلَامَةِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَإِصْلَاحِ أَدْيَانِهِمْ مَعَ أَنَّ اسْتِيعَابَهُ بِالْبُنْيَانِ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْفُرُوضِ وَلَا مِنْ أَرْكَانِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي لَا تَقُومُ إلَّا بِهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُ بِالطَّوَافِ خَاصَّةً وَهَذَا يُمْكِنُ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى حَالِهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُ إنْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَدْ سَلِمَ مِنْ السَّهْوِ وَالْخَطَأِ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ عَائِشَةَ وَكَانَتْ عَائِشَةُ قَدْ سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا أُرَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَ اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ إلَّا؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يَتِمَّ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ فَأَخْبَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَ اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ وَهَذَا يَقْتَضِي قَصْدَ تَرْكِهِمَا وَإِلَّا فَلَا يُسَمَّى تَارِكًا لِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ مَنْ أَرَادَ الشَّيْءَ فَمَنَعَهُ مِنْهُ مَانِعٌ فَعَلِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بِتَرْكِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَلَمْ يَعْلَمْ عِلَّةَ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّهُمَا لَيْسَا بِرُكْنَيْنِ لِلْبَيْتِ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يَتِمَّ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ بَلْ أُخْرِجَ مِنْهُ بَعْضُ الْحَجَرِ فَلَمْ يَبْلُغْ بِهِ رُكْنَيْ الْبَيْتِ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ فَالرُّكْنَانِ اللَّذَانِ هُمَا الْيَوْمَ لِلْبَيْتِ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ لَيْسَا بِرُكْنَيْنِ لِلْبَيْتِ الَّذِي أَسَّسَ قَوَاعِدَهُ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَإِنَّمَا هُمَا مِنْ وَسَطِ الْجِدَارِ فَلَمْ يُشْرَعْ اسْتِلَامُهُمَا كَمَا لَمْ يُشْرَعْ اسْتِلَامُ سَائِرِ الْجِدَارِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِلَامَ حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِالْأَرْكَانِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا وَيَقُولُ: لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ شَيْءٌ مَهْجُورٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «مَا أُرَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَ اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ إلَّا أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يَتِمَّ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ» .

(ش) : قَوْلُهَا مَا أُبَالِي

<<  <  ج: ص:  >  >>