للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ سَمِعْت بَعْضَ عُلَمَائِنَا يَقُولُ: مَا حُجِرَ الْحِجْرُ فَطَافَ النَّاسُ مِنْ وَرَائِهِ إلَّا إرَادَةَ أَنْ يَسْتَوْعِبَ النَّاسَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ كُلِّهِ) .

الرَّمَلُ فِي الطَّوَافِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَلَ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ حَتَّى انْتَهَى إلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ» قَالَ مَالِكٌ، وَذَلِكَ الْأَمْرُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا) .

ــ

[المنتقى]

أَصَلَّيْت فِي الْحِجْرِ أَمْ فِي الْبَيْتِ تُرِيدُ الْبَيْتَ الْمَبْنِيَّ الْآنَ فَقَالَتْ لَا أُبَالِي أَصَلَّيْت فِيهِ أَمْ فِي الْحِجْرِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ الْأَوَّلَ الَّذِي أَسَّسَهُ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَشْتَمِلُ عَلَيْهِمَا فَالصَّلَاةُ فِي الْحِجْرِ صَلَاةٌ فِي الْبَيْتِ وَهَذَا يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ تَقَرَّرَ مِنْ رَأْيِهَا مَنْعَ الصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ فَنَقُولُ: إنَّ الصَّلَاةَ فِي الْحَجِّ بِمَنْزِلَتِهَا فِي الْمَنْعِ إمَّا عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهِيَةِ وَإِمَّا عَلَى وَجْهِ عَدَمِ الصِّحَّةِ وَلَوْ كَانَتْ مُبَاحَةً فِي الْبَيْتِ لَمَا خَصَّتْ الْحِجْرَ بِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ سَائِرِ الْمَوَاضِعِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ قَالَتْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ إبَاحَةِ الْأَمْرَيْنِ جَوَابًا لِمُنْكِرِ ذَلِكَ فِي الْبَيْتِ فَقَالَتْ إنَّ الصَّلَاةَ فِي الْحِجْرِ وَالْبَيْتِ عِنْدِي سَوَاءٌ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَالصَّلَاةُ فَرْضٌ وَنَفْلٌ فَأَمَّا الْفَرْضُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ مَنْ صَلَّى فِي الْبَيْتِ أَعَادَ أَبَدًا وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَقَالَ أَشْهَبُ مَنْ صَلَّى عَلَى ظَهْرِ الْبَيْتِ أَعَادَ أَبَدًا. وَجْهُ قَوْلِ أَصْبَغَ أَنَّ الْقِبْلَةَ تَمُرُّ عَلَى جَمِيعِ الْبَيْتِ وَيَسْتَقْبِلُ الْمُسْتَقْبِلُ لَهَا جَانِبَيْنِ مِنْ الْبَيْتِ وَمَنْ صَلَّى فِيهِ فَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَهُوَ مُصَلٍّ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ. وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ مَوْضِعٌ يَجُوزُ أَنْ تُصَلَّى فِيهِ النَّافِلَةُ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَجَازَ أَنْ تُصَلَّى فِيهِ الْفَرِيضَةُ كَخَارِجِ الْبَيْتِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا النَّفَلُ فَلَا بَأْسَ بِهِ فِي الْحِجْرِ وَالْبَيْتِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَمَنَعَ مِنْهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى ظَهْرِ الْبَيْتِ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا تُصَلَّى النَّافِلَةُ عَلَى ظَهْرِ الْبَيْتِ وَهُوَ كَمُصَلٍّ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَيُصَلَّى دَاخِلُ الْبَيْتِ.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ فِي الْفَرِيضَةِ مَنْ صَلَّاهَا فَوْقَ الْبَيْتِ أَجْزَأَهُ وَإِذَا جَوَّزَ ذَلِكَ فِي الْفَرِيضَةِ فَبِأَنْ يَجُوزَ ذَلِكَ فِي النَّافِلَةِ أَوْلَى وَقَوْلُهُ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : قَوْلُهُ مَا حُجِرَ الْحِجْرُ يُرِيدُ مَا حُجِرَ بِالْجِدَارِ الَّذِي حُجِرَ بِهِ عَلَيْهِ يُرِيدُ مَنَعَ بِهِ مِنْ الْمَشْيِ فِيهِ إلَّا لِمَنْ قَصَدَهُ مِنْ بَابِهِ فَإِنَّمَا أُرِيدَ تَحْجِيرُ الْحِجْرِ أَنْ يَسْتَوْعِبَ النَّاسَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ إذَا كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا وَالْحِجْرُ مِنْ الْبَيْتِ فَالطَّوَافُ بِهِ لَازِمٌ كَالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَلَوْ لَمْ يُحْجَرْ لَأَوْشَكَ أَنْ يَمُرَّ بِهِ طَائِفٌ فَلَا يَسْتَوْعِبُ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ فَإِجْمَاعُ النَّاسِ عَلَى تَحْجِيرِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اسْتِيعَابَ الطَّوَافِ لِجَمِيعِ الْبَيْتِ لَازِمٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ الطَّوَافُ بِبَعْضِ الْبَيْتِ مُجْزِئًا لَمَا اُحْتِيجَ إلَى تَحْجِيرِ الْبَيْتِ لِيَسْتَوْعِبَ الطَّوَافُ جَمِيعَهُ وَمَنْ طَافَ بِبَعْضِ الْبَيْتِ لَمْ يُجْزِهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَنْ طَافَ بِالْحِجْرِ طَوَافًا وَاجِبًا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ أَعَادَ طَوَافَهُ وَإِنْ تَبَاعَدَ وَرَجَعَ إلَى بَلَدِهِ جَبَرَ ذَلِكَ بِالدَّمِ وَأَجْزَأَهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٢٩] وَهَذَا يَقْتَضِي الطَّوَافَ بِجَمِيعِهِ وَمَنْ طَافَ بِالْحِجْرِ فَإِنَّمَا يَطُوفُ بِبَعْضِهِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ.

[الرَّمَلُ فِي الطَّوَافِ]

(ش) : قَوْلُهُ رَمَلَ مِنْ الْحِجْرِ الْأَسْوَدِ يُرِيدُ ابْتَدَأَ رَمَلَهُ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَهُوَ افْتِتَاحُ الطَّوَافِ، ثُمَّ جَعَلَ الْبَيْتَ عَلَى يَسَارِهِ وَطَافَ بِالْبَيْتِ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ حَتَّى انْتَهَى إلَيْهِ مَرَّةً فَيَكُونُ مَعَهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنَكِّسَ الطَّائِفُ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَمِينِهِ وَيَطُوفَ بِهِ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ فَإِنْ فَعَلَهُ حَاجٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>