للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَا يَطُوفُ أَحَدٌ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ) .

الْبَدْءُ بِالصَّفَا فِي السَّعْيِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ حِينَ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَهُوَ يُرِيدُ الصَّفَا وَهُوَ يَقُولُ: نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فَبَدَأَ بِالصَّفَا» ) .

ــ

[المنتقى]

ابْنُ حَبِيبٍ: الْكَلَامُ فِي السَّعْيِ بِغَيْرِ مَا أَنْتَ فِيهِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي الطَّوَافِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِغَيْرِ الْعِبَادَةِ الَّتِي أُمِرَ بِالْإِقْبَالِ عَلَيْهَا مَعَ قِصَرِ مُدَّتِهَا أَوْ مَعَ تَعَلُّقِهَا بِالْبَيْتِ فَكَانَ ذَلِكَ مَمْنُوعًا وَمَكْرُوهًا لَا سِيَّمَا إذَا أَقْبَلَ عَلَى أَمْرِ الدُّنْيَا أَوْ عَلَى مَا لَا يَعْنِي وَلَا فَائِدَةَ فِي الِاشْتِغَالِ بِهِ.

(فَرْعٌ) وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لَمْ تَكُنْ الْقِرَاءَةُ فِيهِ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ وَلَا بَأْسَ بِهَا إذَا أَخْفَاهَا وَلَا يُكْثِرُ مِنْ ذَلِكَ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَكَانَ يَكْرَهُ الْقِرَاءَةَ فِي الطَّوَافِ فَكَيْفَ بِإِنْشَادِ الشِّعْرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

وَوَجْهُهُ عِنْدِي أَنْ يَفْعَلَ الطَّوَافَ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ عِبَادَةٌ لَمْ تُشْرَعْ فِيهَا الْقِرَاءَةُ وَإِنَّمَا هِيَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ فَيُكْرَهُ الْإِتْيَانُ بِهَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَفْعَلَ الطَّوَافَ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ لَمْ تُسَنَّ لَهُ قِرَاءَةٌ كَمَا لَمْ تُسَنَّ لِلصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَإِنَّمَا سُنَّتْ لِلصَّلَاةِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: وَذَلِكَ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ ذَلِكَ جَمَاعَةُ النَّاسِ أَوْ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ حَتَّى يُظَنَّ ذَلِكَ مِنْ سُنَنِ الطَّوَافِ فَأَمَّا مَنْ أَخْفَاهَا وَلَمْ يَقْرَأْ لِلطَّوَافِ وَلَمْ يُكْثِرْ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَقْتَدِيَ بِهِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ فَلَا بَأْسَ بِهَا عَلَى مَا حَكَاهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْأَذْكَارِ الْمُتَقَرَّبِ بِهَا كَالدُّعَاءِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِي أَنَّ الْوُقُوفَ لِلْحَدِيثِ أَشَدُّ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْوُقُوفُ لِلْحَدِيثِ أَشَدُّ فِي السَّعْيِ وَالطَّوَافِ أَشَدُّ مِنْهُ بِغَيْرِ وُقُوفٍ، وَهُوَ فِي الطَّوَافِ الْوَاجِبِ أَشَدُّ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْوُقُوفَ فِيهِ مَمْنُوعٌ وَالْحَدِيثَ أَيْضًا مَمْنُوعٌ فَاجْتَمَعَ فِيهِ أَمْرَانِ مَمْنُوعَانِ؛ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ فَصْلًا بَيْنَ أَبْعَاضِ الْعِبَادَةِ الْمَشْرُوعِ اتِّصَالُهَا وَتَفْرِيقًا لِأَجْزَائِهَا بِالْإِقْبَالِ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَتَأَكَّدَ الْمَنْعُ فِي ذَلِكَ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ إلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ طَهَارَةَ الْحَدَثِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الطَّوَافِ، وَكَذَلِكَ لَا يَمَسُّ الرُّكْنَ إلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ كَأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الطَّوَافِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ كُلِّهِ.

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ فَإِنَّمَا ذَلِكَ لِمَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الطَّهَارَةَ فِيهِ أَفْضَلُ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِالطَّوَافِ الَّذِي مِنْ شَرْطِهِ الطَّهَارَةُ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ الطَّهَارَةُ.

وَلَوْ أَحْدَثَ أَحَدٌ بَعْدَ الطَّوَافِ أَوْ الرُّكُوعِ لَكَانَ مِنْ حُكْمِهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ لِسَعْيِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَسَعَى مُحْدِثًا صَحَّ سَعْيُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ أَنْ طَافَتْ وَرَكَعَتْ لَطَافَتْ عَلَى حَالِهَا مِنْ الْحَيْضِ وَأَجْزَأَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ لَا تَخْتَصُّ بِالْبَيْتِ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ.

[الْبَدْءُ بِالصَّفَا فِي السَّعْيِ]

(ش) : قَوْلُهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ يُرِيدُ الصَّفَا» وَالْخُرُوجُ إلَى الصَّفَا يَكُونُ بِإِثْرِ الطَّوَافِ مُتَّصِلًا بِالرُّكُوعِ لَهُ وَفِي ذَلِكَ مَسْأَلَتَانِ:

إحْدَاهُمَا: فِي لُزُومِ اتِّصَالِهِ بِرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ.

وَالثَّانِيَةُ: فِي صِفَةِ الْخُرُوجِ إلَيْهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا لُزُومُ تَرْتِيبِهِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَلُزُومِ اتِّصَالِهِ بِهِمَا فَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا طَافَ فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَوَّلُ مَا يَقْدَمُ سَعَى ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ وَمَشَى أَرْبَعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ» وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْبَيْتِ كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ.

(فَرْعٌ) وَمَنْ طَافَ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَى بَيْتِهِ حَتَّى يَسْعَى إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ يَخَافُ فَوَاتَهَا أَوْ يَتَعَذَّرُ التَّصَبُّرُ لَهَا وَيُرْجَى بِالْخُرُوجِ ذَهَابُهَا كَالْحَقْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>