للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَهُوَ عَلَى الصَّفَا يَدْعُو يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنَّك قُلْت اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ وَإِنَّك لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ، وَإِنِّي أَسْأَلُك كَمَا هَدَيْتنِي لِلْإِسْلَامِ أَنْ لَا تَنْزِعَهُ مِنِّي حَتَّى تَتَوَفَّانِي وَأَنَا مُسْلِمٌ) .

ــ

[المنتقى]

لِلِاسْتِكْثَارِ مِنْ الذِّكْرِ، وَهَذَا أَقَلُّ مَا تُكَرَّرُ بِهِ الْأَذْكَارُ مَعَ اسْتِحْبَابِ الْوِتْرِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِحَدٍّ فِي تَكْرَارِ هَذَا الذِّكْرِ وَلَا غَيْرِهِ وَلَكِنَّهُ أَقَلُّ مَا يُسْتَحَبُّ مِنْ تَكْرَارِهِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْخُذُ فِيمَا يَشْرَعُهُ مُعْلِنًا بِحَظٍّ مِنْ الِاسْتِحْبَابِ وَحَظٍّ مِنْ التَّخْفِيفِ عَلَى حَسَبِ مَا كَانَ يَفْعَلُ فِي الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا لِقُوَّةٍ أَوْ رَغْبَةٍ فِي الْخَيْرِ فَحَسَنٌ وَمَنْ قَصَرَ عَنْ هَذَا الْعَدَدِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَهَذَا الذِّكْرُ مِنْ أَفْضَلِ الْأَذْكَارِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «أَفْضَلُ مَا قَالَهُ هُوَ وَالنَّبِيُّونَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» .

(مَسْأَلَةٌ) :

وَصِفَةُ الْإِتْيَانِ بِهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، ثُمَّ يَقُولُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، ثُمَّ يَدْعُو بِمَا اسْتَطَاعَ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيُكَبِّرُ ثَلَاثًا وَيُهَلِّلُ مَرَّةً كَمَا ذَكَرْنَاهُ، ثُمَّ يَدْعُو ثُمَّ يُعِيدُ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ يَفْعَلُ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ فَيَكُونُ إحْدَى وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً وَسَبْعَ تَهْلِيلَاتٍ وَالدُّعَاءُ بَيْنَ ذَلِكَ وَلَا يَدَعُ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ مَرْوِيٌّ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ وَمَنْ شَاءَ زَادَ وَمَنْ شَاءَ نَقَصَ أَوْ دَعَا بِمَا أَمْكَنَهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالدُّعَاءِ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّ لَفْظَ حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْتَضِي غَيْرَ الصِّفَةِ الَّتِي أَوْرَدَهَا ابْنُ حَبِيبٍ، وَذَلِكَ أَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ إنَّمَا يَقْتَضِي تَكْبِيرَ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ، ثُمَّ تَهْلِيلَ مَرَّةٍ، ثُمَّ تَكْبِيرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ تَهْلِيلَ مَرَّةٍ، ثُمَّ تَكْبِيرَ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ، ثُمَّ تَهْلِيلَ مَرَّةٍ ثُمَّ الدُّعَاءَ بَعْدُ، وَكَيْفَمَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ، ثُمَّ يَدْعُو قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَيْسَ فِي الدُّعَاءِ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنُصَّ جَابِرٌ عَلَى دُعَاءٍ بِعَيْنِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رَأَى مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَوَاقِفِهِ أَدْعِيَةً مُخْتَلِفَةً دَالَّةً عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُؤَقِّتْ فِي ذَلِكَ دُعَاءً فَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ دُعَاءٌ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى الدُّعَاءِ؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَلْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عِنْدَ الدُّعَاءِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ كَانَ رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ مَالِكٍ ضَعِيفًا عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَرْفَعُ يَدَيْهِ.

وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ مَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي الدُّعَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْ رَفْعَ الْيَدَيْنِ مَعَ اسْتِقْصَائِهِ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ فِي الْحَجِّ حَتَّى أَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ مِنْ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا نَقَلَ.

وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ مَوْضِعُ دُعَاءٍ وَتَضَرُّعٍ وَسُؤَالٍ وَرَغْبَةٍ، وَرَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي مِثْلِ هَذَا مَشْرُوعٌ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فَكَيْفَ صِفَةُ رَفْعِهِمَا؟ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَرْفَعُهُمَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَبُطُونُهُمَا إلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيُهَلِّلُ وَيَدْعُو قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدِي أَنَّ دُعَاءَ التَّضَرُّعِ وَالطَّلَبِ إنَّمَا هُوَ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ وَبُطُونُهُمَا إلَى السَّمَاءِ وَإِنَّمَا يَكُونُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ عِنْدَ الذِّكْرِ وَالتَّعْظِيمِ وَلَعَلَّهُ هُوَ الَّذِي ضَعَّفَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

(فَصْلٌ) :

قَوْلُهُ «وَيَصْنَعُ عَلَى الْمَرْوَةِ مِثْلَ ذَلِكَ» يُرِيدُ مِنْ التَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالدُّعَاءِ ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ مَا يَفْعَلُهُ عَلَى الصَّفَا وَيَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّمَا وَقَفَ عَلَى الصَّفَا وَكُلَّمَا وَقَفَ عَلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى يَقِفَ عَلَى الصَّفَا أَرْبَعًا وَعَلَى الْمَرْوَةِ أَرْبَعًا.

(ش) : دُعَاءُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِهَذَا الدُّعَاءِ دَلِيلٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ وَإِنَّمَا يَدْعُو كُلُّ إنْسَانٍ عَلَى حَسَبِ مَا يَعِنُّ لَهُ وَيَبْدُو مِنْ حَاجَتِهِ وَأَوْكَدُ الْأَشْيَاءِ عِنْدَهُ وَأَنَّ مِنْ أَوْكَدِ الْأَشْيَاءِ الدُّعَاءُ لِأَمْرِ الْآخِرَةِ وَأَنْ يُتَوَفَّى الْمَرْءُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَمَا بَدَأَ بِهِ أَوَّلًا مِنْ قَوْلِهِ اللَّهُمَّ إنَّك قُلْت اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ وَإِنَّك لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ إعْلَانٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>