للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لِبَنِيهِ: يَا بَنِيَّ لَا يَهْدِيَنَّ أَحَدُكُمْ لِلَّهِ مِنْ الْبُدْنِ شَيْئًا يَسْتَحْيِي أَنْ يُهْدِيَهُ لِكَرِيمِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ أَكْرَمُ الْكُرَمَاءِ وَأَحَقُّ مَنْ اُخْتِيرَ لَهُ) .

الْعَمَلُ فِي الْهَدْيِ إذَا عَطِبَ أوضل (ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ صَاحِبَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَصْنَعُ بِمَا عَطِبَ مِنْ الْهَدْيِ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّ بَدَنَةٍ عَطِبَتْ مِنْ الْهَدْيِ فَانْحَرْهَا، ثُمَّ أَلْقِ قَلَائِدَهَا فِي دَمِهَا، ثُمَّ خَلِّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ يَأْكُلُونَهَا» ) .

ــ

[المنتقى]

مَالِكٌ وَأَحَبُّ إلَيَّ إنْ كَانَتْ الْجَلَالُ مُرْتَفِعَةً أَنْ يَتْرُكَ شَقَّهَا وَلَا يُجَلِّلَهَا حَتَّى يَغْدُوَ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَةَ وَإِنْ كَانَتْ بِالثَّمَنِ الْيَسِيرِ عَلَى الدِّرْهَمَيْنِ وَنَحْوِهِ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تُشَقَّ وَيُجَلِّلَهَا مِنْ حِينِ يُحْرِمُ فَتَأَوَّلَ قَوْلَهُ لَا يَشُقُّ جَلَالَ بَدَنِهِ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ ذَلِكَ جُمْلَةً وَأَنَّ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِغُدُوِّهِ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَةَ هُوَ التَّجْلِيلُ خَاصَّةً.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَذَا فِي الْإِبِلِ وَأَمَّا الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ فَلَا تُجَلَّلُ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ التَّجْلِيلَ زِيَادَةٌ عَلَى الْهَدْيِ بَعْدَ كَمَالِهِ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ فِي تَحْسِينِهِ وَتَمَامِهِ، وَالْهَدْيُ مِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ نَاقِصٌ فِي بَابِ الْهَدْيِ إنَّمَا يَخْرُجُ عِنْدَ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَجْزَاءِ وَالضَّرُورَةِ إلَيْهِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ فَلَا مَعْنَى لِتَجْلِيلِهِ؛ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْأَدْوَنِ مِنْهُ يُنَافِي التَّجْلِيلَ الَّذِي هُوَ زِيَادَةٌ عَلَى الْأَفْضَلِ وَلَأَنْ يَجْعَلَ ثَمَنَ الْجَلَالِ فِي فَضْلِ جِنْسِ الْهَدْيِ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَجْعَلَهُ فِيمَا تَبِعَ الْهَدْيَ.

(ش) : وَمَعْنَى ذَلِكَ الْوَعْظُ لَهُمْ وَالنَّهْيُ عَنْ أَنْ يُهْدِيَ أَحَدُهُمْ مِنْ الْهَدْيِ مَا يَسْتَحْيِي أَنْ يُهْدِيَهُ لِمَنْ يُكْرَمُ عَلَيْهِ وَذَكَّرَهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ أَكْرَمُ الْكُرَمَاءِ وَأَحَقُّ مَنْ اُسْتُحْيِيَ مِنْهُ أَنْ يُهْدِيَ لَهُ الْحَقِيرَ وَأَوْلَى مَنْ اُخْتِيرَ لَهُ الرَّفِيعُ، وَالتَّوَقِّي فِي ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: التَّوَقِّي مِمَّا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ، وَالْآخَرِ مِمَّا يَمْنَعُ الْفَضِيلَةَ فَأَمَّا مَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ وَالْفَضَائِلَ فَهُوَ عَلَى مَا يَأْتِي ذِكْرُهُ فِي الضَّحَايَا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَدْ يَخْتَصُّ بِالْهَدْيِ مَعَانٍ نَذْكُرُهَا، وَذَلِكَ أَنَّ أَفْضَلَ الْهَدْيِ الْإِبِلُ، ثُمَّ الْبَقَرُ ثُمَّ الضَّأْنُ، ثُمَّ الْمَعْزُ بِخِلَافِ الضَّحَايَا؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ فِي الْهَدْيِ كَثْرَةُ اللَّحْمِ وَالْقَصْدَ فِي الْأُضْحِيَّةِ طِيبُ اللَّحْمِ، وَلَحْمُ الضَّأْنِ أَفْضَلُ اللُّحُومِ الَّتِي تُجْزَى فِي الضَّحَايَا.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَتُرَاعَى صِحَّتُهَا عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ الْمَذْهَبِ حِينَ تَقْلِيدِهَا وَإِشْعَارِهَا فَإِذَا كَانَتْ مَعِيبَةً عِنْدَ التَّقْلِيدِ بِعَيْبٍ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ، ثُمَّ زَالَ ذَلِكَ الْعَيْبُ عَنْهَا قَبْلَ النَّحْرِ فَإِنَّهَا غَيْرُ مُجْزِئَةٍ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَهَا مَعِيبَةً نَاقِصَةً عَنْ الْإِجْزَاءِ كَمَا لَوْ قَلَّدَهَا قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ سِنَّ الْإِجْزَاءِ، ثُمَّ بَلَغَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُ، وَإِنْ كَانَتْ سَلِيمَةً حِينَ التَّقْلِيدِ ثُمَّ أَصَابَهَا قَبْلَ النَّحْرِ مَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ أَجْزَأَتْ عَنْهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ: فِي هَذَا شَيْءٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُجْزِئَ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا لَمْ يَتَنَاهَ عِنْدَ مَالِكٍ وَهُوَ مُرَاعًى، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ عَطِبَتْ قَبْلَ أَنْ يَنْحَرَهَا لَمْ تُجْزِهِ وَعَلَيْهِ بَدَلُهَا فَكَذَلِكَ يَجِبُ إذَا حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ أَنْ لَا تُجْزِئَ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ إيجَابَهَا بِالتَّقْلِيدِ لَمَّا لَمْ يَمْنَعْ ضَمَانَ جُمْلَتِهَا لَمْ يَمْنَعْ ضَمَانَ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْعَمَلُ فِي الْهَدْيِ إذَا عَطِبَ أوضل]

(ش) : صَاحِبُ الْهَدْيِ هُوَ نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبَ الْأَسْلَمِيُّ وَقَالَ ابْنُ عُفَيْرٍ اسْمُهُ ذَكْوَانُ وَسَمَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاجِيَةً إذْ نَجَا مِنْ قُرَيْشٍ وَقَوْلُهُ كَيْفَ أَصْنَعُ بِمَا عَطِبَ مِنْ الْهَدْيِ؟ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سُؤَالًا عَنْ جَمِيعِ جِنْسِ الْهَدْيِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سُؤَالًا عَنْ هَدْيٍ مَعْهُودٍ عِنْدَهُمَا وَهُوَ الْهَدْيُ الَّذِي بَعَثَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ فَسُؤَالُهُ عَمَّا يَصْنَعُ بِمَا عَطِبَ مِنْهُ، وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ:

أَحَدُهُمَا: الْعَطَبُ مِنْ جِهَةِ الْمَوْتِ وَالْفَوَاتِ غَيْرَ أَنَّ جَوَابَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْنَعُ هَذَا.

وَالْمَعْنَى الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَطِبَتْ بِمَعْنَى بَلَغَتْ مَبْلَغًا لَا يُمْكِنُ تَوْصِيلُهَا مَعَهُ، وَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَنَعَ إيصَالَهَا فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ فِي الْوَقْتِ مِنْ إعْيَاءٍ غَلَبَ عَلَيْهَا وَيُمْكِنُ إيصَالُهَا بَعْدَ الْوَقْتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>