للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ (ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ» )

ــ

[المنتقى]

شَرْطٍ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِهِ بِالشَّرْطِ أَصْلُ ذَلِكَ الْكَسَلُ.

(مَسْأَلَةٌ)

وَمَنْ أُحْصِرَ بِمَرَضٍ فَفَاتَهُ الْحَجُّ فَلْيَحْلِلْ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ إلَّا بِمَكَّةَ أَوْ مِنًى قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَنْحَرُهُ حَيْثُ أُحْصِرَ فِي حِلٍّ كَانَ أَوْ حَرَمٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} [الحج: ٣٦] إلَى قَوْلِهِ {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٣٣] وقَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: ١٩٦] وَهَذَا يَقْتَضِي بُلُوغَهُ إلَى مَكَّةَ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٣٣] .

(فَصْلٌ)

وَقَوْلُهُ ثُمَّ إنَّ حُسَيْنًا أَشَارَ إلَى رَأْسِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ تَأَذَّى بِشَعْرِهِ أَوْ بِهَوَامٍّ فِي رَأْسِهِ فَأَمَرَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِرَأْسِهِ فَحَلَقَ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ لِكُلِّ مَنْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ أَنْ يَحْلِقَ وَيَفْتَدِيَ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: ١٩٦] .

وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ بِتَفْسِيرِ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ ثُمَّ نُسُكٌ عَنْهُ بِالسُّقْيَا وَهُوَ مَوْضِعٌ غَلَبَ عَلَيْهِ بِهِ وَأَقَامَ فِيهِ وَفِدْيَةُ الْأَذَى جَائِزٌ أَنْ يَنْحَرَهَا بِكُلِّ مَوْضِعٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِهَدْيٍ فَيَكُونُ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْبَيْتِ وَإِنَّمَا هُوَ نُسُكٌ لَا يُقَلِّدُ وَلَا يُشْعِرُ وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يُجْمَعَ لَهُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ فَلَهُ نَحْرُهُ حَيْثُ شَاءَ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا دَمٌ وَرَدَ الشَّرْعُ فِيهِ بِلَفْظِ النُّسُكِ فَلَمْ يَخْتَصَّ بِالْحَرَمِ كَالْعَقِيقَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدَّعِي أَنَّ الْبَعِيرَ الَّذِي نَحَرَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلتَّحَلُّلِ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِوُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ الَّذِي يُبِيحُ التَّحَلُّلَ فِي مَوْضِعِ الْمَرَضِ لَا يَرَى أَنْ يُنْحَرَ الْهَدْيُ إلَّا بِمَكَّةَ وَالشَّافِعِيُّ الَّذِي يُجِيزُ التَّحَلُّلَ بِالشَّرْطِ وَيَرَى أَنَّ مَنْ نَحَرَ الْهَدْيَ حَيْثُ يَحِلُّ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ اشْتَرَطَ التَّحَلُّلَ وَلَا عَلِمْنَا أَحَدًا عَمِلَ بِهِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِالشَّرْطِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَلِمَ لَهُ هَذَا فَإِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اشْتَرَى مَا نَحَرَ عَنْهُ حَيْثُ نَحَرَهُ رَوَى ذَلِكَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَلَمْ يُقَلِّدْهُ وَلَا أَشْعَرَهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هَدْيًا سَاقَهُ وَإِنَّمَا كَانَ دَمَ فِدْيَةِ الْأَذَى وَلَكِنَّهُ اخْتَارَ إخْرَاجَ الْأَفْضَلِ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَنَا وَإِنَّمَا يُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ الشَّاةُ وَمَنْ أَخْرَجَ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً أَجْزَأَتْهُ بَلْ ذَلِكَ أَفْضَلُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَكَانَ حُسَيْنٌ قَدْ خَرَجَ مَعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ يُرِيدُ خَرَجَ مَعَهُ فِي تَوَجُّهِهِ لِلْحَجِّ.

وَقَدْ رَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: مَرِضَ حُسَيْنٌ بِالْعَرَجِ فَتَحَامَلَ فَلَمَّا بَلَغَ السُّقْيَا اشْتَدَّ بِهِ الْمَرَضُ فَمَضَى عُثْمَانُ وَبَقِيَ هُوَ بِالسُّقْيَا.

[الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ]

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» يُرِيدُ أَنْ لَا يَخْتَصَّ بَعْضُهَا بِهَذَا الْحُكْمِ دُونَ بَعْضٍ وَأَنَّ مَنْ وَقَفَ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ مِنْهَا فَقَدْ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ مِنْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لِئَلَّا يَتَضَايَقَ النَّاسُ بِمَوْضِعِ وُقُوفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تُهْلِكُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى هَذَا الْمَكَانِ فَإِنَّ عَرَفَةَ كُلَّهَا مَوْقِفٌ فَهَذَا فِي الْجَوَازِ وَإِنْ كُنَّا نَسْتَحِبُّ الْوُقُوفَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَمَا يَقْرَبُ مِنْهُ تَبَرُّكًا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَحَيْثُ يَقِفُ الْإِمَامُ أَفْضَلُ وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ: لَيْسَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ ذَلِكَ فَضْلٌ إذَا وَقَفَ مَعَ النَّاسِ وَمَنْ تَأَخَّرَ عَنْ النَّاسِ فَوَقَفَ دُونَهُمْ أَجْزَأَهُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إذَا ارْتَفَعَ عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>