للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَمِعْت ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ) .

وُقُوفُ الرَّجُلِ وَهُوَ غَيْرُ طَاهِرٍ وَوُقُوفُهُ عَلَى دَابَّتِهِ (ص) : (قَالَ يَحْيَى سُئِلَ مَالِكٌ: هَلْ يَقِفُ أَحَدٌ بِعَرَفَةَ أَوْ بِمُزْدَلِفَةَ أَوْ رَمْيِ الْجِمَارِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَهُوَ غَيْرُ طَاهِرٍ فَقَالَ: كُلُّ أَمْرٍ تَصْنَعُهُ الْحَائِضُ مِنْ أَمْرِ الْحَجِّ فَالرَّجُلُ يَصْنَعُهُ وَهُوَ غَيْرُ طَاهِرٍ ثُمَّ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ وَلَكِنَّ الْفَضْلَ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ طَاهِرًا وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَعَمَّدَ ذَلِكَ) .

ــ

[المنتقى]

(ش) : الَّذِي ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ هُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَأَمَّا الرَّفَثُ فَقَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ إصَابَةُ النِّسَاءِ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْجِمَاعَ.

وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَاحْتَجَّ مَالِكٌ عَلَى ذَلِكَ بِآيَةِ الصَّوْمِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الرَّفَثَ فِي آيَةِ الصَّوْمِ إصَابَةُ النِّسَاءِ وَأَمَّا فِي آيَةِ الْحَجِّ فَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ الْجِمَاعُ.

وَقَالَ عَطَاءٌ هُوَ الْجِمَاعُ وَمَا دُونَهُ مِنْ قَوْلِ الْفُحْشِ وَرَوَى طَاوُسٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الرَّفَثَ فِي آيَةِ الْحَجِّ الْإِغْرَاءُ بِهِ وَهُوَ التَّعْرِيضُ لِلنِّسَاءِ بِالْجِمَاعِ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا الْفُسُوقُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ الذَّبْحُ لِلْأَنْصَابِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: ١٤٥] .

وَقَدْ رَوَى مُجَاهِدٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ: الْفُسُوقُ السِّبَابُ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْفُسُوقُ الْمَعَاصِي وَقَدْ قَالَ رَبِيعَةُ: الْفُسُوقُ قَوْلُ الزُّورِ وَإِنَّمَا قَصَدَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْقُرْآنِ لِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَ لَفْظُ الْفُسُوقِ فِيهِ وَالْمُرَادُ بِهِ الذَّبْحُ لِلْأَنْصَابِ وَالْحَجُّ مِمَّا شُرِعَ فِيهِ الذَّبْحُ وَإِرَاقَةُ الدِّمَاء فَخُصَّ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ قَدْ نَهَى عَنْ الْمَعَاصِي جُمْلَةً قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَا يَمْتَنِعُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ الْفُسُوقُ فِي الْآيَةِ كُلَّ مَا يَفْسُقُ بِهِ مِنْ الْمَعَاصِي وَالذَّبْحُ لِلْأَنْصَابِ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا الْجِدَالُ فَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّهُ الْجِدَالُ فِي الْمَوْقِفِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ.

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ: الْجِدَالُ الْمِرَاءُ زَادَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنْ تُمَارِي صَاحِبَك حَتَّى تُغْضِبَهُ.

وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: هُوَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: الْحَجُّ الْيَوْمَ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: الْحَجُّ غَدًا وَإِنَّمَا ذَهَبَ مَالِكٌ إلَى تَخْصِيصِ الِاخْتِلَافِ بِهَذَا الْمَعْنَى دُونَ غَيْرِهِ مِنْ وُجُوهِ الْجِدَالِ لِأَنَّهُ حَمَلَ قَوْله تَعَالَى {وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٧] عَلَى الْمَنْعِ مِنْ الْجِدَالِ فِي أَمْرِ الْحَجِّ خَاصَّةً وَلَا يَمْتَنِعُ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى عُمُومِهَا إلَّا أَنْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى التَّخْصِيصِ فَيَكُونُ الرَّفَثُ الْجِمَاعَ وَكُلَّ قَبِيحٍ مِنْ الْكَلَامِ وَالْفُسُوقُ كُلَّ مَعْصِيَةٍ وَالْجِدَالُ كُلَّ مِرَاءٍ مَمْنُوعٍ مِنْهُ فَهَذَا كُلُّهُ وَإِنْ كَانَ مَمْنُوعًا فِي غَيْرِ الْحَجِّ إلَّا أَنَّهُ يَتَأَكَّدُ أَمْرُهُ فِي الْحَجِّ.

[وُقُوفُ الرَّجُلِ وَهُوَ غَيْرُ طَاهِرٍ وَوُقُوفُهُ عَلَى دَابَّتِهِ]

(ش) : قَوْلُهُ كُلُّ شَيْءٍ تَفْعَلُهُ الْحَائِضُ مِنْ أَمْرِ الْحَجِّ فَالرَّجُلُ يَفْعَلُهُ وَهُوَ غَيْرُ طَاهِرٍ كَلَامٌ بَيِّنٌ لِأَنَّ الْحَائِضَ مُحْدِثَةٌ حَدَثًا أَكْبَرَ فَإِذَا جَازَ لَهَا أَنْ تَفْعَلَ سَائِرَ الْمَنَاسِكِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُحْدِثَ وَالْجُنُبَ يَفْعَلُهُ بِدَلِيلِ أَنَّ مَا يُشْتَرَطُ الطَّهَارَةُ فِي صِحَّتِهِ لَا تَفْعَلُهُ الْحَائِضُ مِنْ الطَّوَافِ وَأَمَّا مَا لَا يُشْتَرَطُ الطَّهَارَةُ فِي صِحَّتِهِ مِنْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَوْ بِالْمُزْدَلِفَةِ أَوْ رَمْيِ الْجِمَارِ أَوْ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَفِعْلُ الْحَائِضِ لَهُ وَإِجْزَاؤُهُ عَنْهَا مَعَ حَدَثِهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُحْدِثَ وَالْجُنُبَ يَصِحُّ مِنْهُمَا فِعْلُهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَالرَّجُلُ يَفْعَلُهُ وَهُوَ غَيْرُ طَاهِرٍ وَهَذَا اللَّفْظُ يَقَعُ عَلَى الْمُحْدِثِ وَيَقَعُ عَلَى الْجُنُبِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَهُمَا أَوْ يُرِيدَ أَحَدَهُمَا.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ ثُمَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ لَا قَضَاءَ وَلَا جُبْرَانَ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ مِنْ حَفَزَهُ غَائِطٌ أَوْ بَوْلٌ فِي السَّعْيِ فَلْيَقْضِ حَاجَتَهُ وَيَتَوَضَّأ ثُمَّ يُتِمَّ سَعْيَهُ.

وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ: مَنْ أَحْدَثَ فِي سَعْيِهِ فَتَمَادَى فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَأَحْسَنُ مِنْ ذَلِكَ لَوْ تَوَضَّأَ وَتَمَّمَ سَعْيَهُ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ إنْ حَاضَتْ امْرَأَةٌ بَعْدَ الرُّكُوعِ سَعَتْ وَأَجْزَأَهَا وَبِالْجُمْلَةِ أَنَّ جَمِيعَ أَفْعَالِ الْحَجِّ يَفْعَلُهَا غَيْرُ الطَّاهِرِ مَا خَلَا الطَّوَافَ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ قَدِمْت مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَشَكَوْت ذَلِكَ إلَى الرَّسُولِ

<<  <  ج: ص:  >  >>