للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ مَكَّةَ لَيْلًا وَهُوَ مُعْتَمِرٌ فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيُؤَخِّرُ الْحِلَاقَ حَتَّى يُصْبِحَ قَالَ: وَلَكِنَّهُ لَا يَعُودُ إلَى الْبَيْتِ فَيَطُوفُ بِهِ حَتَّى يَحْلِقَ رَأْسَهُ قَالَ: وَرُبَّمَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَأَوْتَرَ فِيهِ وَلَا يَقْرَبُ الْبَيْتَ) .

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: إلْقَاءُ التَّفَثِ حِلَاقُ الشَّعْرِ وَلُبْسُ الثِّيَابِ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ قَالَ يَحْيَى: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ نَسِيَ الْحِلَاقَ بِمِنًى فِي الْحَجِّ: هَلْ لَهُ رُخْصَةٌ فِي أَنْ يَحْلِقَ بِمَكَّةَ قَالَ: ذَلِكَ وَاسِعٌ وَالْحِلَاقُ بِمِنًى أَحَبُّ إلَيَّ) .

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الَّذِي لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّ أَحَدًا لَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِهِ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيًا إنْ كَانَ مَعَهُ وَلَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ عَلَيْهِ حَتَّى يَحِلَّ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: ١٩٦] .

ــ

[المنتقى]

أَنَّهُ وَقْتٌ لَوْ مَسَّ فِيهِ الطِّيبَ وَلَبِسَ الْمِخْيَطَ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ فَإِذَا وَطِئَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْعُمْرَةِ أَصْلُ ذَلِكَ مَا بَعْدَ الْحِلَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْبَابُ السَّادِسُ الْحِلَاقُ وَالتَّقْصِيرُ هَلْ هُوَ نُسُكٌ أَوْ تَحَلُّلٌ] ١

(الْبَابُ السَّادِسُ هَلْ هُوَ نُسُكٌ أَوْ تَحَلُّلٌ)

لَنَا أَنَّهُ نُسُكٌ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ مُبَاحٌ بَعْدَ الْحَظْرِ يَمْنَعُ الْإِحْرَامَ فَإِذَا زَالَ الْإِحْرَامُ زَالَ تَحْرِيمُهُ لِلْحِلَاقِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَلُبْسِ الثِّيَابِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ نُسُكٌ يُثَابُ صَاحِبُهُ عَلَى فِعْلِهِ قَوْله تَعَالَى {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ} [الفتح: ٢٧] الْآيَةُ فَوَصَفَ دُخُولَ الْمَسْجِدِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فِيمَا وَعَدَهُمْ بِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ نُسُكًا مَقْصُودًا لَمَا وَصَفَ دُخُولَهُمْ بِهِ كَمَا لَمْ يَصِفْ دُخُولَهُمْ بِلِبْسِهِمْ الثِّيَابَ وَالتَّطَيُّبَ.

وَوَجْهٌ ثَانٍ: أَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ النُّسُكِ لَمَا كَنَّى بِهِ عَنْهُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ وَالْمُقَصِّرِينَ» فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِعْلًا يُثَابُ عَلَيْهِ فَاعِلُهُ لَمَا دَعَا لَهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ أَظْهَرَ تَفْضِيلَ الْحِلَاقِ عَلَى التَّقْصِيرِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ نُسُكًا لَهُ فَضِيلَةٌ مَنْ عَلَيْهِ ثَوَابٌ لَمَا كَانَ أَفْضَلَ مِنْ التَّقْصِيرِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لُبْسُ نَوْعٍ مِنْ الثِّيَابِ أَفْضَلَ مِنْ لُبْسِ غَيْر ذَلِكَ.

(ش) : قَوْلُهُ أَنَّهُ كَانَ إذَا دَخَلَ مَكَّةَ مُعْتَمِرًا أَوْ طَافَ وَسَعَى لَيْلًا أَخَّرَ الْحِلَاقَ حَتَّى يُصْبِحَ وَوَصَفَ ذَلِكَ بِالتَّأْخِيرِ لِأَنَّ السُّنَّةَ تَعْجِيلُهُ وَاتِّصَالُهُ بِالْفَرَاغِ مِنْ السَّعْيِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْجِيلِ سَلَامَةِ النُّسُكِ مِمَّا عَسَى أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ مِنْ نَقْصِ وَطْءٍ أَوْ غَيْرِهِ وَجَازَ التَّأْخِيرُ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَقْتِ مِنْ تَعَذُّرِ الْحِلَاقِ فِي الْأَغْلَبِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ طَافَ وَسَعَى لِعُمْرَتِهِ مِنْ اللَّيْلِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُؤَخِّرَ الْحِلَاقَ إلَى الصُّبْحِ قَالَ: وَتَعْجِيلُ ذَلِكَ أَفْضَلُ.

(فَصْلٌ)

وَقَوْلُهُ وَلَكِنَّهُ لَا يَعُودُ إلَى الْبَيْتِ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَتَّى يَتَحَلَّلَ مِنْ عُمْرَتِهِ بِالْحِلَاقِ لِأَنَّ مِنْ سُنَّةِ الْمُعْتَمِرِ أَنْ لَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ مُتَنَفِّلًا حَتَّى يُكْمِلَ عُمْرَتَهُ وَيَتَحَلَّلَ مِنْهَا بِالْحِلَاقِ.

وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ طَافَ وَسَعَى لِعُمْرَتِهِ لَيْلًا فَأَخَّرَ الْحِلَاقَ حَتَّى يُصْبِحَ: لَا يَتَنَفَّلُ بِطَوَافٍ وَلَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ وَلَا يَقْرَبُهُ حَتَّى يَحْلِقَ قَالَ أَصْبَغُ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ: فَإِنْ فَعَلَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ حَتَّى يَحْلِقَ فَإِنْ فَعَلَ فَذَلِكَ وَاسِعٌ.

(ش) : وَهَذَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْحِلَاقَ بِمِنًى عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّ النَّحْرَ بِهَا وَالْحِلَاقَ مُتَّصِلٌ وَقَدْ شُرِعَ تَعْجِيلُهُ وَكَذَلِكَ فَعَلَ «النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحَرَ هَدْيَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ بِمِنًى» بِأَثَرِ نَحْرِ هَدْيِهِ وَأَفْعَالُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ عَلَى النَّدْبِ فَمَنْ نَسِيَ حَلْقَ رَأْسِهِ فَذَكَرَ ذَلِكَ بِمِنًى أَيَّامَ مِنًى حَلَقَ بِهَا.

(ش) : وَهَذَا عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ أَحَدًا لَا يَحْلِقُ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِهِ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ حَتَّى يَنْحَرَهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْحِلَاقَ بَعْدَ النَّحْرِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: ١٩٦] وَهَذَا وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْبَلَاغِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ النَّحْرُ لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ تَعَالَى {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: ٩٥] وَمَعْنَاهُ مَنْحُورٌ بِهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَنْحَرَ لَمَا أَجْزَأَ عَنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>