للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِدْيَةُ مَنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَنْحَرَ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ مَالِكٍ الْجَزَرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ «كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحْرِمًا فَأَذَاهُ الْقَمْلُ فِي رَأْسِهِ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ وَقَالَ: صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ لِكُلِّ إنْسَانٍ أَوْ اُنْسُكْ بِشَاةٍ أَيُّ ذَلِكَ فَعَلْت أَجْزَأَ عَنْكَ» )

ــ

[المنتقى]

وَلَا كَانَ فِي سُؤَالِهِ بَيَانُ ذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى تَسَاوِي الْحُكْمِ عِنْدَ عُمَرَ وَأَمَّا الْمُحْرِمُ يَطَأُ بِبَعِيرِهِ الْجَرَادَ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ فِي الطَّرِيقِ فَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ عَلَى النَّاسِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مَا لَمْ يَتَعَمَّدُوا.

وَقَالَ مَالِكٌ مِثْلَ ذَلِكَ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الذُّبَابِ لَا يُسْتَطَاعُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ لِكَثْرَتِهِ فِيهَا الْمُحْرِمُ يَمْشِي عَلَى بَعْضِهِ فَيَقْتُلَهُ يُطْعِمُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ الضَّرُورَةَ إذَا كَانَتْ عَامَّةً وَلَمْ يُمْكِنْ احْتِرَازٌ مِنْهَا لِغَلَبَتِهَا وَكَثْرَتِهَا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ حُكْمُ الْمَنْعِ بِهَا وَيُبِيحُ الْقَتْلَ وَإِذَا كَانَ الْقَتْلُ مُبَاحًا عَلَى الْعُمُومِ سَقَطَ الْفِدَاءُ بِهِ كَقَتْلِ عَادِيَةِ السِّبَاعِ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا أَصَابَ الصَّيْدَ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى التَّحَرُّزِ مِنْهُ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ خَطَأً.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَتَى وَجَبَ بِذَلِكَ الْإِطْعَامُ فَهَلْ يَجُوزُ دُونَ حُكُومَةٍ قَالَ مُحَمَّدٌ {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ} [المائدة: ٩٥] قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ لِكَعْبٍ تَعَالَ حَتَّى نَحْكُمَ فَإِنْ أَخْرَجَ ذَلِكَ دُونَ حُكْمٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مِمَّا يَلْزَمُ الْمُحْرِمَ بِهِ الْجَزَاءُ فَلَمْ يَصِحَّ إخْرَاجُهُ إلَّا بِحُكْمِ الْحَكَمَيْنِ أَصْلُ ذَلِكَ جَزَاءُ الصَّيْدِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ لِكَعْبٍ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَحْكُمَ فِي الْجَرَادَةِ بِدِرْهَمٍ إنَّك لَتَجِدُ الدَّرَاهِمَ إنْكَارًا عَلَيْهِ لِتَسَامُحِهِ بِالدَّرَاهِمِ وَإِيجَابِهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا فِعْلُ مَنْ كَثُرَتْ دَرَاهِمُهُ وَهَانَتْ عَلَيْهِ وَالْحُكْمُ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ أَيْضًا يَجِبُ أَنْ يَتَحَرَّى وَيَجْتَهِدَ فِيمَا يَحْكُمُ بِهِ وَيَتْرُكَ التَّسَامُحَ وَالْحُكْمَ بِأَكْثَرَ مِنْ الْوَاجِبِ كَمَا يَتْرُكَ الْحُكْمَ بِأَقَلَّ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: لَتَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ يُرِيدُ أَنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهَا لِأَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْهَا وَأَنْفَعُ لِآكِلِهَا مِنْ الْجَرَادَةِ وَأَكْثَرُ ثَمَنًا لِمَنْ أَرَادَ بَيْعَهَا وَفِي هَذَا أَنَّ الْحَكَمَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا لَمْ يَلْزَمْ قَوْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَجِبُ أَنْ يُسْتَأْنَفَ الْحُكْمُ وَلَعَلَّ كَعْبًا قَدْ رَجَعَ إلَى مُوَافَقَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قَوْلِهِ إنَّ التَّمْرَةَ خَيْرٌ مِنْ الْجَرَادَةِ ثُمَّ حَكَمَا بِذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَ عُمَرَ إنَّهَا خَيْرٌ مِنْهَا لَيْسَ فِي ذَلِكَ حُكْمٌ بِالتَّمْرَةِ وَإِنَّمَا هُوَ مُخَالَفَةٌ لِكَعْبِ أَوْ لَعَلَّ عُمَرَ قَدْ اسْتَدْعَى غَيْرَ كَعْبٍ لِلْحُكْمِ مَعَهُ وَاسْتِدْعَاءُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَعْبًا لِلْحُكْمِ مَعَهُ دَلِيلٌ عَلَى عَدَالَتِهِ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عَدْلًا لَمَا جَازَ أَنْ يُحَكِّمَهُ فِي مِثْلِ هَذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: ٩٥] .

[فِدْيَةُ مَنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَنْحَرَ]

(ش) : قَوْلُهُ إنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحْرِمًا يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ مُحْرِمًا وَكَانَ ذَلِكَ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَذَاهُ الْقَمْلُ فِي رَأْسِهِ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ وَالْأَمْرُ وَإِنْ كَانَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ أَوْ النَّدْبَ وَلَا تَكُونُ الْإِبَاحَةُ أَمْرًا فَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَدَبَهُ إلَى ذَلِكَ وَرَآهُ الْأَفْضَلَ لَهُ فَقَدْ نُهِيَ الْإِنْسَانُ عَنْ أَذَى نَفْسِهِ وَتَحَمُّلِ الْمَشَقَّةِ الْخَارِجَةِ عَنْ الْعَادَةِ الْمُؤْذِيَةِ الَّتِي لَا يُطِيقُهَا الْإِنْسَانُ غَالِبًا فِي الْعِبَادَاتِ وَلِذَلِكَ كُرِهَ مِنْ الْحَوْلَاءِ بِنْتِ تُوَيْتٍ أَنْ لَا تَنَامَ اللَّيْلَ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اكْلَفُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ» .

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ «صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ أَوْ اُنْسُكْ بِشَاةٍ» عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ لَهُ فِي أَنْ يَفْعَلَ أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ وَبَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيَّ ذَلِكَ شِئْت فَعَلْت» .

(مَسْأَلَةٌ) :

وَالنُّسُكُ هَاهُنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>